ما ينهال على فيلم أصحاب ولا أعز من ملاحظات لا يتناول العملية الفنية بقدر ما يوجه ملاحظات إحتجاجية على بعض المضامين والمشاهد بحجة أنها غير واقعية أو بعيدة عن معايير معتمده، ليس من مهمة الدراما أو الفن عموما أن يشابه الواقع أو يحاكيه ولا من وظائف الفن والدراما توجيه المجتمع ولا إعطائه دروس، الدراما واقع متخيل يحمل قوانيه الخاصة ويطبقها على شخصياته وأحداثه التي لا يتوجب عليها أن تنطبق على أي شي، فالإلتزام بالواقع يجعل قصصا وحكايات وأفلام عن سندريلا، أو الأقزام السبعة غير منطقية ، وتنفي كل أفلام الفضاء وزيارة المخلوقات التي تأتي من كواكب أخرى، والتمسك بلواقع يلغي مدارس فنية مهمة كان من أسسها الخروج عن الواقع وكسر المألوف كالسريالية مثلا، أما المقالات والتصريحات الداعمة للفلم فهي تدافع عن الحق في التعبير والحرية الشخصية بأقل قدر من التجاوب الفني مع الفلم. يعتقد كاتب السيناريو أن الضجيج الإجتماعي وصخب اللقاءات بين الناس هي ليست التعبير الوحيد عن الإنسان، فالإنسان رغم تعاطيه الإجتماعي النشط إلا أنه يختفي داخل شرنقته الخاصة التي يحرص على عدم مشاركتها مع الآخرين وخاصة أقرب الناس اليه، ويصر على وجود هذه الشرنقة عند الجميع، يعبر السيناريو عن هذه الفكرة بتجميع عينة بشرية (مجموعة أصدقاء) في مطبخ ثم على مائدة العشاء ليقشرالسيناريو عن كل شخصية شرنقتها ويعطي لها جوهرا مختلفا قد يعاكس مظهره الإجتماعي العام ودون أن يقول بأن أحد الوجهين حقيقي والآخر مزيف فكلاهما معا يشكل شخصيته التامة ، يضع كل ذلك في قالب لعبة تعتمد على كشف كل المعلومات الواردة من الهاتف المحمول، حيث يتوجب على كل فرد في المجموعة أن يظهر ما تلقاه من رسائل أو تنبيهات وأن يرد بشكل مسموع على كل مكالماته الهاتفية، تبرهن اللعبة "الفخ" بحسب السيناريو على وجود الشرنقة. ليعبر المخرج عن فكرته يستخدم كاميرا واحدة ذات نشاط محموم تلهث لتلحق بالجمل القصيرة والمقتضبة التي يلقيها الممثلون بالدور ودون مقاطعة، وكأنهم كورس مدرب على الإلقاء،تتناوب الشخصيات بالكلام وكأنه صادر عن شخص واحد لتتجه نحو إقرار قواعد اللعبة والمباشرة بها، لا يبدو المخرج إهتماما بالطعام فلا يظهر منه إلا تقطيع بطيخة صفراء وإزالة أوراق رأس فرنبيط عند إعداد العشاء، ثم صينية ناضجة وساخنة من الدجاج المعد بالفرن عند بداية السهرة، كان تركيزالمخرج أكبر على الشرب لا تكاد تخلو لقطة واحدة من الفلم دون ظهور كأس أو زجاجة أو إحدى الشخصيات وهي تشرب من الكأس نصف المملوء فيما تلقي حوارها المكتوب، تعاود الكاميرا بالركض خلف الشخصيات التي تنتقل بإيقاع متكرر من صالة الطعام الى المطبخ أو الحمام ليتم الإتفاق على شيء يمكن أن يخفف وطأة الآثار الجانبية للعبة كشف الهاتف المحمول،لم تظهر سطوة المكان الواحد الذي صور فيه الفيلم، ويقتصر التركيز على الوجة وردود الأفعال والتعابير المرتسمة على الوجوه فقط او حركات تشويح اليدين وقد تحول مسرح الأحدث الى مجموعة من الشخصيات يحمل بيده هاتف محمول و كأنه يحمل قنبلة موقوته. الجميع يشارك بإعداد "الطبخة"، والجميع كذلك يشارك بتناولها وقبل نهاية السهرة يشعر الجميع بذات "المخص" الإجتماعي الذي ظهرت أعراضه بإنتهاء آخر شخصية من كشف اسرارها، ورغم جو الإرتياح العام الذي ساد بعد أن أنكشف الجميع أمام الجميع، و تبين أن بعض الأسرار من المفيد أن تكشف، شخصية الرجل العصري الذي يصارح ابنته، الرجل المثلي الذي لا يشعر بالعار من ميوله، ولكن السيناريو فضل أن يعود الى نقطة البداية فأعاد الشرانق الى مكانها وأعاد لكل شخصية سرها، وأنتهت السهرة ولم يبق منها إلا الأثر اللذيذ الذي يتركة تناول كمية متوسطة من النبيذ الأحمر. يفرض الفيلم نظريته ويتبناها بقوه رغم أنه لم يعتمد على عينة عشوائية لإثباتها، فقد كانت المجموعة التي أختارها متشابهة وبعضها متطابق، وقد ظهرت كل الشخصيات بطبيعة إنبساطية مرحة ولديها إحساس عال بالنكتة وعلى مستوى ثقافي جيد، فيما يعكس الإصرار على وجود سر دفين وخفي و"مخز" تكوينا بشريا إنطوائيا وكتوما قد يكون غير قادر على المشاركة بلعبة خطرة كهذه، ومن الصعب إتقان أحد الدورين لدرجة تخدع الشريك المباشر، الأمر الذي يؤدي الى إستنتاج نفسي خاطىء وهو إزدواجية أي شخصية وتلبس حالة من الفصام بكل إنسان. يتميز الفيلم بمضمونه المختلف ولا يعيبه إقتباس السيناريو بشكل كامل،ولكن أوقعه بالمقارنة مع الأصل الإيطالي وهو ليس في صالحه، ومن لحظاته المميزة مشهد منى زكي الشهير وأعتقد بأنه مشهد فريد في السينما العربية، وقد حرص على أن يكون جادا وقد نجح بذلك، دون أن يترك آثارا درامية قوية في المُشاهد الذي أنشغل غالبا بالوقائع الصغيرة المكملة للفيلم على حساب فكرته الأساسية التي ما كاد يلتقط جانبا منها حتى أعاد السيناريو كل شيء الى وضعيته الأ ولى وقد أعتبر بأن ما تم إكتشافة يرقى الى الإنحرافات التي يجب تغطيتها، أما إقتصار مشاكل أبطاله على الجنس رغم وجود ثلاث نساء وثلاث رجال وشخصية مثلية مقسموة على إثنين يمكن أن يصيب بالحيرة وربما عدم التصديق.
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
تشريح فيلم «اصحاب ولا اعز» |
![]() |
2/4 | 11 فبراير 2022 |
أصحاب .... و لا أعز "كلمة أخرى" |
![]() |
0/0 | 16 فبراير 2025 |