الواقعية لغة غزل اتخذها الرائع المصري صلاح أبو سيف ليحاكي كل ما يحيط بينا من خلال لقطات أقرب إلى الحقيقة، تلامس الواقع بشكل كبير موضحا من خلالها مدى التأثير على المجتمع، والحياة بصفة عامة وذلك من خلال التغلغل بشكل خاص في الحياة الشخصية لأبطال العمل. فمن خلال فيلم (السقا مات) والمأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب الكبير (يوسف السباعي) حاول أبو سيف أن يقدم صورة مصرية بسيطة يتناول فيها الواقع المصري خلال العقدين العشريني والثلاثيني، فمن بطولة عزت العلايلي وفريد شوقي والفنانة المتميزة شويكار،...اقرأ المزيد والعظيمة أمينة رزق تدور أحداث الفيلم في حي الحسينية بعام 1921 حول فكرة الموت والحياة حيث المعلم شوشة (عزت العلايلي) الذي يستبد به الحزن لفراق زوجته بالرغم من مرور وقت طويل على وفاتها وأثناء تخبطه بالحياة ودروبها يتعرف على مطيباتي الجنازات شحاته أفندي (فريد شوقي) الذي يحاول أن يخرجه من حزنه الدائم بعد مشاركته السكن. ومحققا في نفس الوقت أقصى درجات الملذات الحياتية. مبدئيا تدور الفكرة الرئيسية التي تناولها يوسف السباعي في روايته حول فلسفة الموت والحياة والتشاؤم والتفاؤل، وقد صدرت الرواية عام 1952 عن دار النشر للجامعين وتم اختيار الفيلم ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية ويذكر أن المخرج صلاح أبو سيف حاول مرارا وتكرار تحويل الرواية إلى عمل سينمائي ببداية السبعينات إلا أن العديد من المنتجين خافوا من إنتاجها خاصة أنها تتحدث عن الموت ليأتي يوسف شاهين الذي أعجب بالفكرة وقرر إنتاجها بالاشتراك مع الشركة التونسية (ساتبيك) عام 1977 . وبالرغم من أن المحور الرئيسي للفيلم يتناول فكرة الموت إلا أننا نلاحظ أنها تميل إلى الرومانسية في بعض الخطوط الفرعية حيث قصة الحب الأبدية التي يعيشها المعلم شوشة على ذكرى زوجته. أيضا نجد أن صلاح أبو سيف يزج بالاشتراك مع السينارست محسن زايد ببعض الملامح الأخرى الفلسفية ونقطة الحاجة وهل الاحتياج مبرر للسرقة؟ وكل ذلك من خلال خاصية الارتجاع الزمني التي تميزت بها أحداث الفيلم، بالإضافة إلى تسلسل بسيط في الأحداث وعدم التعقيد في البناء الدرامي والتتابع السردي المطلوب في مثل هذه النوعية من الأفلام. ومن قرأ الرواية يجد أنها تختلف قليلا عن أحداث الفيلم خاصة في النهاية حيث حاول كاتبي السيناريو تغيير النهاية بدفع قدر من التفاؤل البسيط كما حاولا أيضا أن يجعل الأحداث تدور كلها في الحاضر بخلاف الرواية التي تدور أغلب أحداثها في الماضي. ومن المعروف أن صلاح أبو سيف اشترك مع الكاتب محسن زايد في كتابة فيلم (حمام الملاطيلي) عام 1973 والذي لاقى انتقاد كبير من قبل الجمهور للجراءة التي اتخذها أبو سيف في عرض مشكلة الشذوذ الجنسي والدعارة. أما بالنسبة للأداء التمثيلي فاعتقد أن أبو سيف نجح بشكل كبير في اختيار أبطال فيلمه حيث فريد شوقي في دور شحاته أفندي والذي أرى أنه كان من أفضل الأدوار التي قدمها الملك على الإطلاق، أيضا دور الفنان عزت العلايلي الذي أثبت من خلال تعبيرات وجهه الحزينة موهبته الفنية الكبيرة، وعبر بحساسية خاصة وأداء مركب عن حالته النفسية الصعبة. وإذا كان صلاح أبو سيف هو قائد السفينة والربان الذي حقق بفيلمه (السقا مات) إنجازا فنية كبيرا؛ فلابد من الإشادة بديكور المهندس مختار عبدالجواد الذي عبر من خلاله عن جو العشرينيات وعن الحارة المصرية، والطراز الإسلامي الفريد الذي حاول مختار أن يضفيه على جو الفيلم، ولابد أيضا من الإشادة بحرفية المونتير رشيدة عبدالسلام والانتقال بين اللقطات بشكل سريع ومتلاحق دون حدوث أي ترهلات إيقاعية وقد تجلت أفضل المشاهد في الانتقال بين الماضي والحاضر وذكريات المعلم شوشة بطريقة سلسلة وسهلة والكثير من المرونة . يعد الفيلم من أهم الأفلام الروائية الطويلة التي انتجت في فترة السبعنيات.