أراء حرة: فيلم - إمبراطورية ميم - 1972


"ميم" واسقاطاته السياسية

مصريّ، ملوّن، غير مألوف، يعود لفترة السبعينيات، يلي الزمن الجميل ويتممه. وجد في تلك الحقبة الزمنية التي تلت الدمار، وقت ما كان العالم يتجه إلى الفن والثقافة والحب كال(هيبيز) عوضًا عن الحرب والقتل كالسياسيين، كما حدث في مصر أيضًا، الحقبة التي تغيرت فيها العقليات والتعامل مع الأمر الواقع بنظام جديد ومستجد عن قبل؛ فهو التغيير الفكري من الناصري إلى "إمبراطورية م". الفيلم الفريد من نوعه الذي أنتج عام "1972"، وألف من قبل كاتب الحب والحرية إحسان عبد القدوس معاونًا من قبل أبو السرد العربي نجيب محفوظ،...اقرأ المزيد ومن إخراج حسين كمال، وبالطبع ممثلًا مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة وفارس السينما المصرية أحمد مظهر وأولاد شكل نقطة البداية لمسيرتهم الفنية منه. فهو يحكي عن أرملة، تعمل في وزارة التربية والتعليم كمسؤولة هناك، لها ستة أولاد من مختلف الأعمار بدءًا من شاب يدرس في كلية الحقوق إلى طفل يتعلم الأبجدية في الإبتدائية، مات زوجها وهي صغيرة في العمر ووكلها مسؤولية الأولاد. ومع مرور الزمن وبلوغ أغلب الأولاد سن المراهقة، تواجه الأم منى مرحلة التمرد منهم ومطالبتهم بالحرية التامة التي تجردها من دور الأم في منظور المجتمع العربي. وفي الوقت نفسه، يتقدم لمنى صديق قديم ليتزوجها لكنها تخشى الزواج منه قلقًا على أولادها. قد ذكر بالفيلم العديد من القضايا التي تشغل الجمهور العربي عامةً والمصري بالأخص. وبشكل مميز ظهرت الشخصيات ممثلة كل قضية كما قال الممثل سيف أبوالنجا (مصطفى): ‘إن فيلم إمبراطورية م ليس اجتماعيًا فحسب كما يظن الكثيرون، بل سياسي قومي بالأساس، حيث ترمز الأم إلى مصر، وأبنائها باختلاف أعمارهم للدول العربية، وتضحيتها في سبيل استقرارهم‘. لكن هنا تناقش وجهة نظر أخرى عن ما قاله أبو النجا، فإن منى الأم التي لعبت دور الرئيسة الدكتاتورية الرأسمالية، التي تتحكم بقوانين وأموال الأولاد في البيت، مما جعلها مصدرا للثورة والإنقلاب على طريقة الحكم من قبل الأولاد، فكان الأكبر مصطفى، رمزًا للقضايا الاجتماعية التي تمثل الشعب بأكمله، بقضية التحرر الفكري والثورة السلمية باستخدام الديمقراطية، مثل دور التعليم في الدولة تمامًا. أو مديحة التي كانت تتصرف مقلدةً "الرجالة" كما وصفتها الأم منى إما بملابسها أو باستخدام الغليون (الـپايپ أو الpipe) ، فهنا اعتبرت مديحة أنها كسرت العرف بين الجنسين أو بكلمات أخرى مفهوم القضايا الجندرية. وكان الشعب بأكمله وبكل الطبقات الإجتماعية وخاصة الطبقة الفقيرة والوسطى، التي دائمًا ما تبحث بعد الحاجات الأساسية إلى الرفاهية كالحب والزواج المبكر والجنس والتدخين ممثلًا بشخصيتي مها ومدحت . وعن محمود الذي بلوّر دور الشعب المتعلم المتمسك بعاداته وتقاليده غير المتحضرة والمنغلقة عن العالم، وظهر هذا التخلف الحضاري عندما مانع خروج مها مع زميلها ومواعدته. وصور ممدوح أصغرهم، الشباب والأطفال الذين يعبرون عن الرغبات كشيء أساسي في الحياة تمامًا مثل وزارة الشباب. أما عن الدادا عزيزة والحارس اللذين اعتبروا بالقصر كالطبقة الفقيرة والبسيطة في الدولة. وبجانب الشخصيات داخل القصر، ظهر أحمد (أحمد مظهر) عشيق الأم، دخيلًا معتبرًا كشخصية على الهامش، ولم يستطع الدخول إلى الإمبراطورية ويصبح عضوًا فيها. وبالتالي ظهر القصر أو المنزل أنه الدولة التي تحوي كل الأفكار ومترأسة بأم واحدة، ومتشعبة بهيئات ووزارات كالأولاد أجمع. وكل الشخصيات والأماكن التي ظهرت في الفيلم لم تكن للتسلية، بل حملت صورًا للحياة الحقيقية. على الرغم من أن الحبكة سياسية واجتماعية وثقافية في آن واحد، قد حوت هذه الرواية على الرومانسية من قبل عبدالقدوس. فكانت مها التلميذة في المدرسة راعية الرومانسية بقراءتها لكتب الحب وارتباطها بصديقها وزميلها في المدرسة. أيضًا وبشكلٍ غير معتاد، كانت الأم على علاقة مع أحمد الذي انتظرته طوال الوقت، ومع قرارها للزواج منه، كانت قلقة بشأن التغيير الذي سيحصل لأولادها وأن تعيش حياتها لوحدها دون التفكير بهم. فكانت إضافة الرومانسية طريقة قاطعة وتباينية وتفارق بين التفكير بالعقل والعاطفة. اختير "إمبراطورية م" من ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في السينما المصرية من قبل النقاد في المرتبة التاسعة والثمانين. وشارك في مهرجان موسكو العالمي عام 1973، ممثلا لمصر. ويعتبر الفيلم عملًا استثنائيًا لسيدة الشاشة، فقد كان أول عمل فني لها تم تمثيله في مصر منذ عودتها من ظلم الرئيس كما أشارت من قبل، عادت بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر ورحيل ناصريته واشتراكيته ومع استلام السادات للحكم. فإن الفيلم تطرق للحركة الانتقالية التي حدث في مصر كما تم الإشارة من قبل، وتطرق إلى موضوع حرية المرأة ودورها في المجتمع وبناءه متركزًا في منى التي تعمل كمسؤولة في الوزارة وكأم في العائلة في آنٍ واحد. أخيرا، لا سيما أن "إمبراطورية م" قد أخرج قبل 50 عاما لكنه ظل لا يمثل أشرطة الفيديو والكاميرات ودور السينما فقط بل يمثل دولًا كاملة بأي مكان وزمان إما في الماضي أو في المستقبل. وتعليقي هنا، هل للفيلم قيمة فنية؟ وهل خرج بعده فيلم ينافسه بنفس الأفكار؟ ومتى سوف ننتظر فيلم آخر يضاهي "إمبراطورية م"؟