يحمل فيلم "حميدو" توقيع المخرج الكبير نيازي مصطفى، أحد أبرز من قدموا أفلام الحركة والإثارة في السينما المصرية، مستندًا هذه المرة إلى صورة حية واقعية من البيئة الساحلية، ومستخدمًا أدواته الإخراجية لتقديم قصة مأساوية عن الخطيئة والخذلان والسقوط. الفيلم من بطولة فريد شوقي، هدى سلطان، تحية كاريوكا، ومحمود المليجي، وتستند قصته إلى معالجة كتبها فريد شوقي نفسه، بينما تولى السيد بدير كتابة السيناريو والحوار، في حين قام وحيد فريد بتصوير العمل ببراعة لافتة. تدور أحداث الفيلم حول شخصية "حميدو"، الصياد الذي...اقرأ المزيد يعمل في منطقة أبو قير بالإسكندرية، ويقع في حب "سعدية" الفتاة البسيطة التي تحمل منه سفاحًا. لكنه، وبلا تردد، يتخلى عنها ليتزوج من ابنة رجل ثري يُعرف بـ"الأكتع"، ويدخل عالم الجريمة من أوسع أبوابه، ليصبح لاحقًا زعيم عصابة كبيرة لتجارة وتهريب المخدرات. تميز نيازي مصطفى بأسلوبه القريب من التوثيق البصري، وقد ظهر ذلك جليًا في هذا الفيلم. إذ استخدم أماكن تصوير حقيقية من قلب بيئة الصيادين، مقدمًا لقطات حية لعمليات الصيد، ومراحل فرز السمك وتعبئته، وكذلك تفاصيل الحياة اليومية في منطقة "أبو قير" من مساكن ومرافئ وأزقة، مما أضفى مصداقية وواقعية عالية على الصورة. كما ظهر اهتمامه الواضح بالتفاصيل الإنتاجية مثل اختيار ملابس الصيادين، وديكورات العشش والمراكب، والتي ساعدت في رسم صورة دقيقة عن الحياة الساحلية المصرية في خمسينيات القرن الماضي. ولعب مدير التصوير وحيد فريد دورًا هامًا في تعزيز الجانب البصري للفيلم. فقدم تكوينات بصرية غنية، لا سيما في مشاهد البحر، وغروب الشمس، والمراكب الشراعية، بالإضافة إلى الكادرات الواسعة لمشاهد الخمارات والمعارك اليدوية، والتي أبرزت الطابع الشعبي والعشوائي للبيئة دون تكلف أو اصطناع. وكعادته، يقدم فريد شوقي شخصية مركبة تجمع بين الفتونة والانحراف، وبين الورع الظاهري والخضوع للأهواء. فقد جسد "حميدو" بصورة مثيرة للتساؤل؛ فهو الشاب المتدين الذي لا يترك فرضًا، والابن البار بوالدته، وفي الوقت نفسه الرجل اللاهي الذي يخون ويهجر ويقود عصابة تهريب. هذا التناقض في الشخصية هو ما أضفى على الفيلم طابعًا دراميًا عميقًا، حيث ينجرف البطل إلى نهايته المحتومة، مدفوعًا بطمعه وخياناته، في نقد غير مباشر لظاهرة ازدواجية السلوك الأخلاقي في المجتمع. كما تميزت هدى سلطان بأداء رقيق وإنساني في دور "سعدية"، الفتاة التي خُدعت باسم الحب، في حين أضافت تحية كاريوكا ثقلًا تمثيليًا بدورها القوي والمركب، وقدم محمود المليجي كعادته صورة متقنة للرجل الشرير بأسلوبه الهادئ البارد. "حميدو" ليس مجرد فيلم عن قصة حب تنتهي بخيانة، بل هو مرآة لواقع اجتماعي قاسٍ، تتجلى فيه مآسي الفقر، والخطيئة، وازدواجية المعايير. هو عمل يُحسب للمخرج نيازي مصطفى، الذي استطاع توظيف بيئة الصيادين ضمن حبكة بوليسية، تاركًا بصمة إخراجية واضحة، وممهدًا الطريق لأفلام "ملك الترسو" فريد شوقي التي باتت مدرسة سينمائية قائمة بذاتها في أفلام الحركة والمجتمع.