أراء حرة: فيلم - Carmen - 1983


المعنى الحقيقي لـ(سحر) السينما.. ..

مش لاقي كلمة توصف الفيلم أنسب من انه (ساحر) .. الفيلم الأسباني (كارمن) لمخرج مشهور أوي في أسبانيا اسمه (كارلوس ساورا) .. الراجل ده قدم في السينما الأسبانية كام فيلم عن الرقص والفلامنجو اللي طغى عليهم روح وثقافة وتراث الأسبان عمل شبه ثورة في السينما الإستعراضية .. الأمر اللي جعل البعض يصنفه انه أعظم من قدم أفلام عن الرقص -غير أفلام الميوزيكال- في تاريخ السينما. القصة ببساطة بتتكلم عن مدرب رقص يبحث عن فتاة لتجسد دور مهم في حفلة استعراضية.. ولما يحصل ويلاقي الفتاة المُناسبة للدور -بعد بحث...اقرأ المزيد ومعاناة طويلة- بيقع في حبها .. وبعديها الحالة الغرامية بتأثر بشكل جوهري على عمله والأحداث بتتطور بين العاشقان عشان نشوف ازاي المدرب هايقدر يوازن بين شغله وبين ولعه وعشقه بالفتاة. نص الفيلم في الحقيقة مأخوذ من عمل أدبي .. تحول فيما بعد لنص أوبرالي (غنائي في الأوبرا).. وبعدين لما قراه ساورا استحوذ عليه تماماً وقدم معالجة ليتحول لنص مسرحي/سينمائي عشان يعمله فيلم .. المثير في ده ان مكانش فيه اعتراف في أسبانيا بإمكانية نقل أو بالأحرى تداول الرقص في عالم السينما .. الفيلم -اللي اتعمل سنة 1983- يعتبر من بدايات الأفلام الأوروبية اللي تتمحور عن فكرة (الرقص) لرواية القصة .. الأمر اللي خلى المخرج نفسه يقول انه في أفلامه ممكن يستغنى عن الحوار أو حتى القصة ومع ذلك يوصل الرسالة عن طريق الصورة والرقص والموسيقى. بعيد عن الإسقاطات السياسية اللي موجودة بشكل مش قليل لكن مع ذلك صعبة انها تتعِرف على المُشاهد البعيد عن الثقافة الأسبانية .. الفيلم عبارة عن جرعة مُشبعة من الحركة والرقص والنشاط .. مايتهيأليش ان في حد بيحب السينما بالمفهوم المجرد للكملة ممكن ماينبهرش ومايتسحرش بالعمل ..الفيلم مبهج جداً .. ساحر جداً .. وتجربة مشاهدتي ليه كانت مختلفة جداً جداً .. تقريباً ده أول فيلم في حياتي أشوفه يكون بيتكلم عن الرقص بشكل محوري .. بإستثناء فيلم (Black Swan) اللي عن الباليه مش عن الرقص واللي مايتقارنش حتى بالفليم ده في ناحية كثافة مشاهد الحركة.. وفيلم تسجيلي فرنساوي عن الباليه برضو اسمه (Reset) .. فيلمنا ده الحركة الجسدية هوا أداة سرد الحكاية الأولى فيه. المميز في الفيلم ده الوسيط السردي المختلف تماماً اللي وصّل بيها المخرج معاني القصة عن طريق أداتين .. الأداة الأولى هيا (الخلفية المسرحية).. الشكل المسرحي اللي بتدور فيه الأحداث موجود بشكل قوي هنا لدرجة انه ممكن يبقى منظور يتشاف بيها الفيلم: انه مسرحية استعراضية .. وغير كده القيمة التعبيرية لأي قصة سينمائية معروف انها بتزيد وبتتضاعف في حالة وجود النمط المسرحي فيها كأسلوب -أو كخلفية- لحكي الحدوتة.. وده عشان طبيعة المسرح ذاته المُتّسم بالمبالغة في ردور الأفعال .. الأمر اللي خلاني كمُشاهد أحس بغرابة وأفكر شوية في عدد من المَشاهد بعد المُشاهدة ان: هل ده (حقيقي/واقعي) في سياق القصة؟ ولا هوا (خيالي/تمثيلي) مبني على النمط المسرحي اللي الحكاية متقدمة بيها؟ لأن الميكس ده متقدم بصورة قوية أوي ويحتمل الأمرين في الحقيقة. الأداة التانية هيا (الرقص).. الرقص كوسيط لنقل المعاني والأحاسيس للشخصيات بدل من الحوار .... الرقص هنا أشبه بحاجة روحية عند المجتمع الأسباني مش مجرد فعل جسدي أو تفريغ للطاقة اللي جوّاهم .. أشبه بحفاوة شعبية .. تخيل لما وسيط زي ده يتحط في فيلم اللي في الأساس هوا برضو وسيط تعبيري -مقارنةً بوسائط أخرى زي المسرح/الأدب/الأغنية .. إلخ- بيعتمد على الصورة/الحركة في نقل المعاني والأفكار ... النتيجة هنا مزيج مختلف بين السينما والمسرح .. وفيلم درامياً تقيل .. فيه شئ إبداعي فريد من نوعه .. خصوصاً لما نحط في اعتبارنا الأبعاد الفنية التانية اللي ماكنوش بأي درجة أقل زي التصوير والموسيقى التصويرية. لكن كل الكلام ده ماكنش هايبقى ليه معنى لو مافيش لغة إخراجية قوية .. الراجل عامل إيقاع هايل لفيلمه ماتحسش بنبرة ملل إطلاقاً رغم انها ممكن تكون مناقضة للتوقع اللي بيحطه حد يسمع ان فيلم مدته 100 دقيقة عن الرقص .. في الحقيقة هوا مش عن فكرة الرقص في حد ذاتها (على الرغم من كم كبير جداً من مشاهد الرقص اللي بتعكس الثقافة والروح الأسبانية بعيد عن سياق القصة) قد ما هو بيستخدم عامل الرقص عشان يوصل القصة العميقة اللي وراه عن تيمة (الحــب) والحالات الشعورية المتعددة اللي في دهاليزه .. من الحتة دي أقدر أقول ان الفيلم بيتكلم عن الشغف والعشق والكبرياء والغيرة والنشوة والحياة. كمان في (ديناميكية/تداخل العناصر الفنية سوياً) مذهلة في كل مشهد فيه رقص .. الكاميرا والظلال والإضاءة بديعة ومناسبة أوي للحالة النفسية للأبطال .. مثلاً في مشهد كامل كانت الكاميرا مركزه بس على أقدام الفتيات الراقصات واختلاف نمط الحركة في القدم عشان المُشاهد يعرف انهي واحدة فيهم هيا (كارمن).. لأن طبعاً كارمن أفضل منهم جميعاً. من أهم العناصر اللي بتجذبك في الفيلم شخصية (كارمن) اللي أدتها الفتاة العشرينية فائقة الجمال (لاورا ديل سول) .. بتعكس بصورة قوية كل ما في الشخصية من أنوثة ورقة ومُكر وشغف بالرقص .. والنص بيديها مساحة مش هيّنة في الحبكة قُرب النهاية انها بـ(إغوائها النسوي) تقلب الطاولة رأساً على عقب عن كل الإنطباعات اللي الُمشاهد خدها عنها .. شخصية بيقع في غرامها المُشاهد قبل ما يحصل للمدرب. تجربة مشاهدة الفيلم أشبه بدوّامة شعورية .. الفيلم بيدّي لمُشاهده احساس (يمكن في منتصفه) انه مش عايز الفيلم اللي بيشوفه ده ينتهي أبداً مش شدة الجمال والروعـة والسينما اللي قدامه .. يبسرق روحك حرفياً وبيوديك عالم آخر تماماً .. ومابيرجعهاش إلا بعد المشهد الختامي .. بيخبطك في الصميم ومابتكونش عايز ترجع للواقع الفعلي بعدها .. أسعدني وأبهجني بصورة فوق ان شوية كلمات توصفها فعلاً .. فيه طاقة وروح غريبة وجميلة وحميمية أوي .. القصة نفسها بتعصُرك عصراً قرب الخاتمة وبتديك إحساس مش سهل تكمل الحياة بعديها معاه .. بعد ما شفت الفيلم اكتشفت انه جزء من ثلاثية عملها المخرج وده شئ أسعدني جداً ومش قادر أستنى عشان أشوفها وأشوف باقي أعمال المخرج ..