أراء حرة: فيلم - Prisoners - 2013


كان في أرض الله رجلٌ اسمه أيوب

القصة التوراتية تحكي عن عابدٍ زاهد وقانع ونَزيه اسمه أيوب، اندس الشيطان بين ملائكة الله ذات مرة وسأل الرَّب «هل يعبدك أيوب مجاناً؟»، كانت حُجة الشيطان قوية.. فقد أعطيته المال والأبناء والجاه، فلماذا لا يتقي ويعبد؟ الاختبار الحقيقي هو عن الطريقة التي سيتذكَّرك بها إن أخذت منه كل هذا، فأجاب الرب «هو ذا، كل ما له في يَدَك»، افعل به ما شِئت، ليظل السؤال طوال السِّفر المقدس: إلى أي مدى سيحتمل أيُّوب؟ الفيلم الأول للمخرج الكندي "دينيس فيلنوف" في هوليوود يَدور تحديداً حول تلك الفكرة، الدرجة التي يمكن...اقرأ المزيد أن يتحول فيها البشر، بفعل الضغط والشقاء، لأناسٍ سيئين، يَسرد حكاية عائلة «كيلر دوفر» السعيدة، التي تتغيَّر حياتها تماماً بعد اختفاء ابنتهم الصغيرة «جريس»، ومع وجود مُشتبه به تطلق الشرطة سراحه لعدم وجود أدلة كافية، ويقين «دوفر» أن ذلك الرجل هو الشخص المختطِف ، يصبح السؤال: إلى أي مدى قد يذهب من أجل إعادة ابنته في سبعة أيام؟ التفاصيل الدينية، المتعلقة بالاختبار والشقاء، في القصة لا تبارح الفيلم منذ مشهده الافتتاحي، الذي يتلو فيه «دوفر» صلوات من الكتاب المقدس: "لتكن مشيئتك في الأرض، كما في السماء"، قبل أن يخبر ابنه بالحكمة التي علمها جده إياه "عندما يَفنى العالم، يصبح الحائل الوحيد الباقي لك هو تصرفك أنت"، ذلك البعد الديني/الروحي.. يَنسلخ بالتدريج عن شخصية “دوفر" بعد اختفاء ابنته، ورؤيته لخاطفها –تبعاً ليقينه- حراً، يبدأ التحول التدريجي، الذي يتتبعه "فيلنوف" عبر سبعة أيام –وهو رقم ذو بعد واضح في الموروث الديني- لكيفية تحول العبد الزاهد والقانع والنزيه إلى مُختطف ومُعَذّب وسكير يَقبل أن يخسر كل شيء، بما فيها نَفسه، في مقابل عودة ابنته. الشيء العظيم فعلاً في الفيلم، أنه لا يتابع ذلك بأي قدر من الحكم الأخلاقي، لا يسرد عمله بطريقة "انظروا كيف فعل الشقاء بدوفر؟!"، بقدر ما يعايش هذا التغير التدريجي، يبدو هنا أن هناك مَعنى حقيقي لساعتين ونصف استغرقهم "فيلنوف" في سردِ حكاية تبدو عادية، لأن المعنى ليس الحكاية ولكن نفوس أبطالها، تغيرات العائلة، هناك قيمة هنا للوقت وللأيام وللتحول التدريجي الذي يحدث في نفسِ "دوفر"، وتبدو خياراته مفهومة لنا طوال الوقت، مفهومة حتى لجيرانه الذين اختطفت ابنتهم أيضاً.. رفضوا فعلته في البداية ثم حين وضعهم في الاختبار: "اخرج المشتبة به إن أردت"، تبدو الأمور أصعب كثيراً مما قد نَظن، فيأخذوا نفس خياره، تقول نانسي بيرتش لزوجها "تذكر ابنتنا"، فيتذكرها، لأن القسوة والحِمل والضغوطات قد تجبر الناس على فعلِ أشياء فظيعة، ليست عادية بأي حال. في كل ذلك كان فيلماً عَظيماً، المشكلة الحقيقية تبدأ في ثلثه الأخير، الجانب البوليسي من الحَبكة، ومحاولة خلق "تويست" في النهاية ليحل مسألة لم تكن موضع الاهتمام منذ البداية، الخيوط هنا تتفرَّق وتتجه نحو الميلودرامية: طفل يعود لعائلته بعد 26 عاماً من الغياب! مشتبه غريب الأطوار يُصبح ضحية، عصابة من زوج وزوجته من أجل "محاربة الرب"، بدا الفيلم في سطحية وتشتت كبيرين عندما اتجه نحو محاولة صنع "نهاية مفاجئة وهوليوودية"، حتى مع كونها تتسق مع رؤية الفيلم وتطرح السؤال بشكلٍ مُباشر: "نحارب الرب، نفقد الناس إيمانهم ونرى كيف يتحولوا لشياطين مثلك؟"، إلا ان ذلك كان مزعجاً وسطحياً لدرجة كبيرة، مع الكثير من الفجوات غير المُبررة. ورغم ذلك يظل فيلماً جيداً، حتى من ناحية الإثارة وبعيداً عن تساؤله الأعمق بشأن "تحمُّل أيوب"، "فيلنوف" مخرج كبير فعلاً، بعد ثلاثة أعوام من فيلمه الكندي الذي ترشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي Incendies يثبت من جديد أن آمالاً كبيرة يمكن أن تعقد عليه مستقبلاً، نَفس رائع جداً في إخراج الفيلم، معتمداً على صورة مُدهشة كالعادة من المصور روجر ديكنز، وإيقاع شديد الاتزان من المونتير الأوسكار جويل كوكس، بالإضافة لحفنة من الأداءات الرائعة من قبل ممثليه، تحديداً "فيولا ديفز"، "جاك جيلينهال"، وبالطبع "هيو جاكمان" الذي يتجه بمسيرته، خطوة بخطوة، نحو أن تصبح أكثر ثقلاً. عقب انتهاء الفيلم كنت مدركاً أنه كان من الممكن أن يتحول لواحد من أفضل الأفلام الأمريكية هذا العام، لولا "التويست" الختامي الذي أفسد الكثير، ولكنه مع ذلك يبقى فيلماً جيداً يستحق المشاهدة، ممتعاً كفيلم إثارة عن حادثة اختطاف، وعميقاً جداً في تناوله لسؤال الشيطان الأبدي: إلى أي مدى سيتحمل البشر الشقاء قبل أن يقومون بأشياءٍ فظيعة ويتحولون لأناسٍ سيئين؟!


السجناء ومجموعة من الأبعاد الإنسانية المختلفة

في أفلام من أول مشهد بتحس معها بسرعة في نبضات القلب، ومشاعر وأحاسيس بتتغير، وممكن كمان تلاقي ارتباطك بشخصيات العمل بقى ارتباط قوي ووثيق، ده كله من أول مشهد؟!!.... أه من أول مشهد وأكتر كمان؛ وده اللي أنا حسيته مع مشاهدتي لفيلم (Prisoners) للمخرج (دينيس فيلنوف) اللي إقدر إنه يقدم لحظات ممكن تكون صغيرة في عمر أي مشهد إلا أنها مؤثرة وقوية، بداية قصة الفيلم بتدور في إطار تشويقي مثير حول أب يدعى كلير دوفر (هيو جاكمان) تختفي ابنته الصغيرة وصديقتها في ظروف غامضة ويتولى الشرطي لوكي (جيك جيلنهال)...اقرأ المزيد التحقيق والبحث عنهما، ومع مرور الوقت وعدم الوصول إلى أي نتيجة أو خيط بسيط يمكن من خلاله الوصول إلى البنت المفقودة لا يجد الأب من سبيل غير البحث بنفسه.... ومن هنا بنلاحظ إن الفيلم مبني على أبعاد إنسانية داخلية ويتتفرع الأبعاد دي إلى فروع أخرى كالمعتقادات الدينية وبعض الاضرابات العقلية، والتفاعلات الخاصة بكل شخصية بالفيلم بدءً من عائلة دوفر التي تحتفل بالكريسماس وسط جو عائلي بسيط والتركيز على تفاعلاتهم وردود أفعالهم المختلفة، وإيمان دوفر نفسه وطلبه المغفرة من الله في كل مشهد على ما اقترفه، ومرورا بالشرطي لوكي بأول مشهد بالفيلم وجلوسه وحيدا داخل مطعم كل ما يشغله هو فك الألغاز وقراءة الأبراج في هدوء تام، وانتهاًء بأليكس جونز (بول دانو) وعمته والذي استطاع في براعة شديدة أن يقدم دور شاب معاق ذهنيا يتهم بخطف الفتاتين الأداء التمثيلي بالفيلم توقف عند شخصيتن فقط هما شخصية دوفر والشرطي لوكي واعتقد أنهما نجحا في تقديم كل ما يتعلق بشخصيتهما؛ فنلاحظ أن لوكي في أول 15 دقيقة من الفيلم يميل إلى عدم الاكتراث والاهتمام بمن حوله؛ حتى مع تلقيه لبلاغ فقد الطفلة، بالإضافة إلى ملابسه وتعامله مع زملائه أو المشتبه بهم، لغة الجسد التي تميز بها ضمن الحوار الجيد الذي وضع، كلها ملامح تشير إلى شخصيته شديدة الروتنية. الموسيقى التصويرية كانت مناسبة جدا جدا للأحداث واللي بتخليك طول الوقت في تسارع معها، بالإضافة إلى عكس اللحظات الصعبة في حياة كل شخصية. النهاية المفتوحة التي تركها المخرج لخيال وعقلية كل مشاهد يتصور من خلالها ما قد يحدث لدوفر وما سوف تعاني منه الفتاتين بعد إنقاذهما وأصابتهما بصدمة نفسية، وحياة لوكي نفسها هل هناك أي تغيير فيها أم أنه سيظل على نفس النمط الروتيني دون أسرة أو ارتباط. بالنسبة لمكان التصوير وحالة المطر والغيوم، أعتقد أنه مناسب جدا لأحداث الفيلم والقصة نفسها خاصة البطء في السرد الذي أٌخذ على الفيلم والتطويل في بعض المشاهد التي قد تصاب معها بالملل، والسأمة..إلا أن الفيلم يستحق المشاهدة أكثر من مرة إذا كنت تفضل الأفلام الدرامية الطويلة ذات الأبعاد الإنسانية.


سجناء: كلاسيكية تشويقية عن العدالة والانتقام من القدر

بعد رائعته الأوسكارية "حرائق"، يعود المخرج الكندى دينيس فيلينف بفيلم جديد يكاد يناطح فيلمه السابق فى قسوته وتوتره وصدماته، من خلال دراما الجريمة التشويقية "سجناء" التى تدور احداثها هذه المرة فى إحدى قرى الولايات الامريكية ذات الطابع المحافظ، وهى التجربة الهوليوودية الأولى له بعد ان قرر ترك موطنه الاصلى "كندا" بشركات انتاجه المستقلة والاتجاه جنوباً نحو الموطن الأصلى للسينما بعد ان تعاقدت معه شركات الستوديوهات الامريكية ليخرج لهم أفلامه .. وأظن انه قد نجح فى معضلة التوفيق بين رؤيته كصانع افلام...اقرأ المزيد اعتاد العمل مع شركات مستقلة لا تفرض عليه سوى الابداع فى دول تعتبر السينما كفن قبل ان يكون صناعة وبين شركات اخرى تريد ان تسترد مالها وتربح فى المقام الاول قبل الابداع والاصالة وتعتبر السينما صناعة قبل اى شىء .. لقد صنع "فيلينيف" فى رأيى فيلماً جاذباً لشباك التذاكر وللنقاد وللمهرجانات والجوائز على حد سواء. تدور الأحداث حول اختطاف طفلتين من عائلتين تربطهما صداقة أثناء اجتماع العائلتين يوم عيد الشكر للاحتفال وتناول لحم التركى، "أنا" و "جوى" كانتا تلعبان بجوار منزل عائلة "جوى" قبل اختفائهن، ولم يكن بالجوار وقتها سوى سيارة فان يملكها "اليكس جونز" الفتى غير السوى عقلياً الذى يقوم بدوره الممثل الرائع "بول دانو" .. ليظهر بعدها محقق الشرطة "لوكى" الذى يقوم بدوره الممثل الشاب جيك جيلينال ويقوم بعمله بالقبض على "اليكس جونز"، ولكنه بعد استجوابه لم يجد لديه ما يفيد القضية ولم يجد ضده اية أدلة فيتم الافراج عنه .. وهذا ما يثير هياج وسخط والد "أنا" احدى الفتيات المخطوفات والذى يقوم بدوره النجم "هيو جاكمان"، فيقوم بتعنيف المحقق "لوكى" بسبب افراجه عن ذلك الفتى الذى يراه الخيط الوحيد لهذه الجريمة، ثم لا يجد الأب حلولا غير ان يقم باختطاف الفتى بعد الافراج عنه وتعذيبه بأبشع الصور حتى يعترف او يدلى بأية معلومات قد تفيده فى العثور على ابنته، ثم تتوالى الأحداث. كالعادة ينجح "روجر ديدكينس" مصوّر الروائع "نو كانترى فور اولد مين" و "اصلاحية شاوشانك" فى خلق لوحة بصرية مميزة لفيلمه، أضافت لوجهة نظر المخرج بغموضها وسودويتها واثارتها وواقعيتها فى أحيان، ابدع ديدكينس فى مشاهد مراقبة "لوكى" لـ "دوفر" بالسيارة اثناء سقوط الثلوج، وفى مشهد قيادة "لوكى" للسيارة مسرعاً فى طريقة للمستشفى لانقاذ "أنا"، وفى مشهد النهاية وتحديدا فى آخر كادر ينظر "لوكى" فيه باتجاه الكاميرا .. كما نجح كاتب السيناريو "ارون جوزيكوسكى" فى صنع حبكة درامية متماسكة وشخصيات مثيرة ومواقف مؤثرة واحداث مشوقة، وان كان يعاب على نصه الفصل الأول الذى جاء بطيئاً وتقليدياً وغير جذاب بما يكفى لاكمال مشاهدة الفيلم مقارنة بالفصل الثانى والثالت (الوسط والنهاية)، وذلك يمكن ان يؤخذ ضد المونتير أيضاً، رغم انه من الصعب تحديد مشاهد بعينها يمكن حذفها إللا ان ساعتين ونصف (زمن الفيلم) كانت مدة طويلة من الافضل اختصارها لساعتين فقط خاصة الفصل التمهيدى الذى كان يمكن تعويضه كاملاً ببعض مشاهد الفلاش باك .. اما الموسيقى فلم اشعر بوجودها بالدرجة الكافية وتم توظيفها فقط للتخديم على حالات المشاهد بدون اى تيمة مميزة ولا بأس فى ذلك على أى حال، ولكن يجب ان اذكر انها لم تجعلنى انتبه لها اللا فى مشهد "لوكى" و"أنا" داخل السيارة. وبما اننا فى موسم الجوائز فمن المؤكد ان هذا الفيلم سيحوذ على اعجاب رابطة الممثلين الأمريكية وأعضاء الاكاديمية وسيحصل على كثير من ترشيحات الأوسكار، أضمنها فى رأيى ترشيح لـ "جيك حيلينال" فى فئة افضل ممثل مساعد، ففى رأيى ان ادائه فى دور "لوكى" لم يكن نقلة نوعية لهذا الممثل فقط، بل نقلة لشخصيات الشرطيين التى قدمت فى تاريخ السينما بشكل عام، وبرغم انه لم يكن الشخصية المثالية تماما اللا انه نجح فى اكتساب التعاطف معه اكثر من باقى الشخصيات، ان اداء جيلينال من اكثر الظواهر السينمائية التى اعجبتنى فى هذا العام .. أما عن فئة افضل ممثلة مساعدة فأعتقد ان الأوسكارية "ميليسا ليو" تستحق الترشيح عن دور "هولى جونز"، تلك الشخصية الغامضة الثابتة الواثقة التى لا يفقد صوتها رنته الرصينة الهادئة حتى فى احلك المواقف، بتاريخها المأسوى وقرارها المثير بشن حرب على الرب فلا شك انها شخصية مبهرة ولا تنسى .. وعن "بول دانو" فأنا اعشق جميع ادوار هذا الممثل الذى اعتبره اصغر العباقرة فى ممثلين هولييود المعاصرين، لكن لصغر دوره بشكل لا يؤهله للمنافسة على اى جائزة إلا اننى لا استطيع سوى ان اشكره على قبوله لتأديته ضارباً بكل العواقب عرض الحائط فقط من اجل تقديم شخصية شديدة الاغراء لأى ممثل جاد، وقد اداها بحرفية عالية شاركه فى ابداعها طاقم عمال المكياج، أما عن بطل الفيلم "هيو جاكمان" ففى رأيى لم يتخطى او يقترب ادائه من مثيله فى فيلم "البؤساء" العام الماضى ولم يكن مقنعاً بشكل كافى لى، وان كنت اظل اعتقد ان امامه فرص للترشح لبعض الجوائز ولكن هذا سيتوقف على مستوى المنافسين .. "تيرينس هوارد" و "فيولا ديفيس" فى ادوار فرانكلين ونانسى بيرش كانوا جيدين أيضاً ولكن ليسا استثنائيين. "سجناء" ينضم لكلاسيكيات هوليوود التشويقية كواحد من أكثر الافلام التى تقدم الحياة فى صورتها القاسية، والعدالة فى صورتها الظالمة، والسينما فى صورتها الصارمة، ولكنه مشبع فنياً للدرجة التى تجعلك بعد مشاهدته تريد التوقف لفترة عن مشاهدة افلام اخرى كمن يرفض العشاء بعد وجبة غداء شهية حتى يبقى طعمها لأكبر فترة داخله.