الفيلم الروائي الأول اللي يعمله المبدع (دارين أرنوفسكي) .. أكاد أجُزم اني ماشفتش فيلم سايكولوجيكال قبل كده مخلص للبنية الأساسية اللي في التيمة/النوعية دي والأدوات الفنية (زي التصوير والإضاءة والمونتاج) قد ما كان في الفيلم النفسي الرائع ده .. الروح السايكوباتية المضطربة اللي طاغية على العمل موجودة بقوة بدري أوي منذ الـOpening Credit Scene (واللي فيها مُشابهة بصورة لا تُخطئها العين لإفتتاحية دايفيد فينشر Se7en) .. الفيلم ده فيه كل العناصر اللي لازم تتوفر في الفيلم...اقرأ المزيد النفسي اللي محوره شخصية رئيسية ما .. الهوس .. الإضطراب .. الهلاوس .. الإحساس المتعمد بعدم الإرتياح .. الصورة السوداوية .. النزعة القابضة .. الفيلم فيه حس سايكولوجي من الطراز الرفيع. الشخصية هنا فيها كتير مُشترك مع شخصية الراوي في تحفة فينشر (Fight Club) .. مرحلة الإضطراب اللي بتعصف بالبطل بدايةً من الـPlot-Twist في فيلم فينشر .. تقابلها مرحلة شك وعدم يقين من البداية خالص من شخصية الرجل اليهودي (ماكسميلـيان كوهين) في فيلمنا ده .. غير ان الفيلمين مشتركين في طريقة السرد (الفويس أوفر) .. حتى في الموسيقى التصويرية في مشاهد الحركة اللي قريبة جداً من مقطوعة (Finding The Bomb) في فيلم فينشر .. واضح ان فينشر اتأثر أوي بالفيلم ده قبل ما يقدم الدراسة العبقرية لشخصية (إدوارد نورتون) في فيلمه الأشهر بعد عام واحد من الفيلم ده .. كمان في قدر كبير من التعريف بشخصية العالم العبقري أو الباحث المهووس اللي عادةً بيتقدم في الأفلام على انه الكائن المنطوي اللي عايش في قوقعته الخاصة بعيد عن الحياة الإجتماعية .. الأداء الإخراجي -زي ما بيقول الكتاب- مُبشر بمخرج عبقري صاعد هايقدم تحف سينمائية بعد كده .. أرنوفسكي أخد جايزة الإخراج من مهرجان (صاندانس) في سنة صدور الفيلم بالمُناسبة .. الفيلم ده ممكن يتاخد من منطلق انه فيلم رعب ويكون وَفي وكويس جداً في الحتة دي .. رغم انه مش تابع لصنف (رعب) بالمعنى الحرفي للكلمة .. هنا هوّا أقرب انه يكون رعب نفسي أو روحي (أو حتى ديني) لأن في الحقيقة الفيلم بيتوغل في أبعاد فلسفية كتيرة جداً عن أصل الكون وحقيقة يوم القيامة وفهم طبيعتنا التاريخية البشرية .. عن القَدَر وعن الإيمان وعن أكتر من كده .. ..أما كناحية فنية فإستخدام الإضاءة التصويرية هنا (خصوصاً في مشاهد الحركة) هوّا حرفياً درس لصناع الأفلام .. كون الفيلم بالأبيض والأسود مع الإضاءة الخافتة بيدي إحساس ان اللي قدامك ع الشاشة مش واضح بالأساس عشان يلائم الحالة النفسية (والبصرية) للشخصية البطلة .. إحساس بالجو القابض اللي بيعصف بالعمل صعب جداً تجاهله.. بس مش عارف ليه حسيت انه الفيلم كان محتاج موود مُلائم أكتر من كده! .. يعني متهيألي لو ليلة من الليالي المضطربة نفسياً ضربت الفيلم ده قبل النوم مثلاً .. كان يعمل دماغ ويدي مفعول ولا أقوى أنواع المخدرات !! .. حقيقي قوة الإستجابة يمكن تتضاعف لو الحالة المزاجية للمُشاهد مناسبة للأجواء الغير إعتيادية دي.. بس مصطلح (غريب) اللي سمعت كتير بيتكلموا بيها عن الفيلم ده ماقدرش أقول انه صحيح تماماً .. الفيلم مش غريب اطلاقاً .. هوا بيقدم بصورة شديدة الواقعية للحالة النفسية للشخص اللي عنده نوع من الهوس تجاه حاجة معينة .. ونتائج هوسه دي بتوديه لحاجات زي الهلاوس الذهنية أو تعاطيه للأدوية الكيميائية .. وصولاً للمخدرات .. الفيلم واقعي جداً لو اتفهم العالم اللي جاي منه .. إجمالاً فيلم أكتر من رائع .. بس متأكد انه مالوش قاعدة جماهيرية كبيرة بتحب الصنف ده .. يعني لو انتا من اللي انبهروا بالحالة الذهنية المضطربة في فيلم نولان (Memento) يبقى أكيد هايعجبك الفيلم .. لو انتا من عشاق الأسلوب الإخراجي والنزعة التشويقية في أفلام دايفيد فينشر -وأنا بالمُناسبة واحد منهم- (خصوصاً الحس السايكولوجي في الثلاثية: نادي القتال/الفتاة الغائبة/سبعة) يبقى هاتُغرم بالفيلم .. حتى لو بتحب الأفلام الوجودية/الفلسفية بوجه عام .. الفيلم مش هايخيّب ظنك في النقطة دي .. .. دلوقتي عايز أشوف باقي أفلام أرنوفسكي لأني في الواقع ماشفتلوش حاجة قبل كده بإستثناء (البجعة السوداء) .. يا مُسهل ..