إنتظرت وقتاً طويلاً قبل أن أُقرر مشاهدة الفيلم الكرتوني Shaun the Sheep ، ذلك لأنّي لست من هؤلاء المُهتمّين بتلك النوعية من الأفلام كثيراً، بالإضافة إلي أنّي -تلقائياً- نظرت إلي أن سبب صُنع الفيلم كان للأرباح التُجاريّة فقط، وأنه فارغ أجوف في حقيقته. لكن شاء القَدَرْ أنّي كُنت في مزاجاً رائقاً ليلة من الليالي قبل النوم وشاهدته. راودتني أسئلة كثيرة عندما علمت أنه تم الشروع في إنتاج الفيلم سنتين قبل الآن؛ لماذا يفعلون فيلماً كاملاً مُدّته ساعة ونصف عن شخصية "شون الخر...اقرأ المزيدوف"؟ ألا يكفيهم النجاح الذي حققه الأنيميشن ذو الحلقات المُتتابعة؟ هل كُلّ ما يفكرون به هو النجاح المادّي أم أن هناك قصة جيّدة لعمل فيلماً؟ هل سيغدو مثل أغلبية الأنيمي الذي ما لَبُثَ أن إشتهر حتي نُقل إلي السينما بُكل سُخف وسذاجة ليكون فيلماً أو ربما سلسلة أفلام حتي؟، في الواقع لقد كانوا مُحقين، عالم "شون الخروف" فعلاً لا يعرفه الكثيرون، ربما الأطفال الذين يقضون كامل وقت يومهم أمام التلفاز فقط. لقد أوسع الفيلم من شهرة الكرتون وجعله محبوباً أكثر من ذي قبل، وأصبح هناك ما يُري له علي الشاشة الكبيرة في حالة أنك أصبحت صاحب ذوق الأفلام ولم تعد تستهويك البرامج الكرتونية وغُدت كبيراً في السن علي متابعة حلقاتها، ربما هذا الحديث يُستثني منه كرتون واحد شخصي ما زلت أُتابعه منذ أن كنت في العاشرة وهو "المُحقق كونان". يجب ألا ننكر أن هذا النوع من أفلام الكرتون أصبح مُفتقداً جداً، فكلاً منا تربي علي كرتون شكلاً وموضوعاً غير الآخر، وإنتقلنا تدريجياً من شاشة التلفاز في المنزل لشاشة السينما الكبيرة، لكن أصبح ما يُعرض عليها من أفلام ذات الأجواء التي تربينا عليها غاية في الفتور، لا نري الآن سوي الأفلام الأمريكية ذات الصناعة والخيال الأمريكي، وأصبحت الأفلام المماثلة من وجهات العالم المختلفة لا تحظي بالإستقبال الجماهيري المُرضي والمشجع، رويداً رويداً نسينا أجواء طفولتنا الكرتونية المميزة، أتحدث عن تلك القصص التي تكمن جمالها في بساطتها، في سذاجتها، في عفويتها، ومنهم فئة الأفلام مثل "شون الخروف". كفيلم من هذا النوع، ربما ينبغي أن تتوقع ما يمكن أن يُدسّ فيه؛ مغامرة لطيفة ممتعة إلي المدينة من شون ورِفاقه الخراف، لكن لماذا سيذهبون؟ وكيف سيُلقون نكاتهم علي الشاشة ليُضحكونا كما إعتادوا؟ أنت هُنا لا تنتظر هل سينجحون في مُهمّتهم أم لا، بل لتسترخي متابعاً المشاهد الخلّابة والفُكاهة الناتجة عن أحداث المُهمة. من الجيد القول أن الفيلم فهم طبيعته وبَعُدَ عن التحذلق وإستعراض العضلات وحشو منعطفات درامية لم يكن في حاجة لها. حتي القصة وإن كانت توحي بأنها نمطيّة مُكررة، لكنها كانت مُغلّفة بالجو الطيب لشون وأصدقائه وبيئة الفيلم الجميلة. تقديم قصة متماسكة وليس مجرد حلقة معتادة مُطوّلة كان ما قلقت بشأنه، لكن مُخرجا الفيلم -وهم من كتبا السيناريو أيضاً- إستطاعا أن يقدما قصة ممتعة وملائمة للأجواء المعتادة في عالم شون، وما يُمكن أن يُتوقع منهم كخراف تلهو وتلعب وتقفز في كل مكان، أعاد تذكيري أن تيمة الفيلم الهادئة البسيطة تحتاج فقط ليداً تعرف ما تفعله. تصميم الحيوانات والطيور كان مُتقناً، البيئة تبدو غاية في الواقعية، المدينة بتفصيلاتها المُتنوعة من مُجسّمات صُممت بحرفية واضحة، كُلّ شيء يبدو جيداً في الفيلم، الموسيقى التصويرية الشهيرة للكرتون جائت كثيراً، الأغاني جميلة ومُناسبة للأحداث، القصة بسيطة وخفيفة، يُتَطرّق إليها أبعاد كثيرة يمكن أن تحدث في قالب من المُغامرة والتشويق الممزوجة بفُكاهية الفيلم، مع التركيز علي شخصية شون القائد الأول لقطيع الخراف. من الجدير بالذكر أن الفيلم كاملاً صامتاً، هذا بالتأكيد صعّبَ الأمر علي المخرج الذي ينقل القصة فقط عن طريق الصورة وبعضاً من الكلمات، هذه النقطة زادت من تفضيل الفيلم وسط أفلام أُخري ربما قد لا يُحبذ البعض التركيز في تفصيلاتها المُرهقة، الأمر الذي جعل من صندوق التذاكر يضخّ للشركة ما يُقارب ال١٠٦ مليون دولار، وهو بريطاني الإنتاج بالكامل، ولا عجب أنهم شرعوا بالفعل بإنتاج الجزء الثاني منه. إذا كان الفيلم ضمن مجموعة أفلامك، فاختر ليلة تسترخي بها، وضع في حُسبانك أنك سوف تتسلي وتستمتع قليلاً، هذا كُل شيء، فرُبما يُعدّل من مزاجك ويعطيلك قليلاً ما روح "الأيام الخوالي" المُفتقدة، التي كانت تتابع الكرتون وحلقاته المتوالية بلهف وترقب كبير، وستنساه بمُجرّد أن ينتهي لتُتَابع مُضيّك في الحياة.