أراء حرة: فيلم - Deserts - 2023


فوزي بنسعيدي و الويسترن الاجتماعي من خلال شريط "الثلث الخالي"

على خطى سيرجيو ليوني رائد سينما الويسترن، أخذ طريقه المخرج المغربي فوزي بنسعيدي في تجربته السينمائية الجديدة، المخرج الذي كانت بداياته مع الهاوية سنة 1999، و تميز في عدة أعمال إخراجا و تمثيلا، كسنة 2011 عندما أشرف على موت للبيع، و أعاد استرجاع الحياة سنة 2017 في شريطه وليلي حيث عبر عن قصة حب ممزوجة "بالحكرة"... كلها أعمال لهذا المخرج الفنان الذي تستضيف القاعات السينمائية أفلامه بصدر رحب، و إن كان عدد الحضور لا يكفي لتقدير أعماله، هذا مشكل لا يتحمل المخرجون مسؤولياته الرئيسية! و أخيرا رجع بالشريط...اقرأ المزيد المطول "الثلث الخالي" إخراجا و سيناريو ليغوص في تجربة سينما الويسترن، أو بالأحرى كما سميتها بالويسترن الاجتماعي social western، و سنتعرف السبب لاحقا، أو دون كتابة السبب يمكن استخلاصه عند المشاهدة. الفيلم إنتاج مشترك بين فرنسا وألمانيا وبلجيكا والمغرب.و بعد تتويجه بجائزتين في مهرجان البندقية "جائزة أفضل ممثلين و جائزة أفضل مخرج"، تم عرض هذا الأخير العرض ما قبل الأول في "ميغاراما" بالبيضاء في 10 ماي 2024، و في 15 من نفس الشهر و السنة تم استئناف العروض في باقي القاعات السينمائية المغربية... بالحديث عن التظاهرات الفنية التي شارك فيها العمل، فقد كان ضمن الأفلام المشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في الدورة 45 له، ينافس أعمالا عربية من مصر و لبنان و الإمارات بشراكتها مع الهند، ثم في "أسبوعي المخرجين" من مهرجان كان في دورته 76، كذا مشاركته في فعالية آفاق السينما العربية لجانب الفيلم المغربي الجديد "مروكية حارة"، كما تصادف إصدار الفيلم مع تكريمه في الدورة 29 من مهرجان سينما البحر الأبيض المتوسط بتطوان، و جاء هذا مواليا لتكريمه الأخير في المهرجان الدولي بمراكش 2023. الشريط من بطولة عبد الهادي طالب بدور حميد، و دور مهدي الذي شخصه فهد بنشمسي، مجمل القصة تدور حول حميد و مهدي بصفتهما موظفان بوكالة بنكية يُرسلان في رحلة لمناطق نائية من جنوب المغرب لاسترجاع قروض لم تُسدد بعد للوكالة، نلاحظ تسلّط و عصبية بنشمسي في دور مهدي، و الذي يقوم بابتزاز المُستقرضين و أخذ بضائعهم ليبيعها مع صديقه في السوق الأسبوعي، أما حميد فكان الشخصية التي تمزج بين البلاهة و العفوية و شيء من التعاطف عكس رفيقه ذو الطبع الحاد. تلك السلطوية و الشطط في استعمالها تتداخل في إنتاجها عدة عوامل، كملابس العمل الرسمية و قدومهم من مدينة كبرى، و كذا استغلال ضعف قدرة استرداد الناس للقروض، و شيء من إظهار الثراء و البورجوازية الوهمية بالرغم من أنهم لا يقلون أزمات مالية عن سكان تلك المناطق. و بانتقالنا لخطاب مديرة الوكالة البنكية على عمالها، نلاحظ مدى تسلطها و انتهازيتها، "ولينا حنان..." هكذا خاطبت الموظفين، و لا يمكن الإغفال عن المشهد الذي كانت تبرر سبب إصابتها و التي ناتجة عن حادثة أثناء التزلج، و مباشرة بعد نقلها العمال خبر زوجها الذي في غيبوبة انتقلت بسرعة لتبدأ خطابها دون أي مظاهر للعاطفة، في الأمر شيء من الرأسمالية المتوحشة أم أنها هي عينها... بالرجوع لتلك المناطق الجنوبية، و عند تصاعد الأحداث ندرك السبب الذي جعل بنسعيدي يتألق في شريطه هذا الذي مزج فيه بين جمالية الطبيعة الصحراوية و المهارة السينماتوغرافية، حيث أنك أينما أوقفت الفيلم لوهلة ستجد لوحة متناسقة الألوان و الجمادات و حتى الأشخاص، و المفاجآت التي لا يخلو منها الفيلم و التي لا تتوقع أن تُدمج في القصة؛ ملاهي، فنادق، إجرام، عصابات... عُمق المشهد يجعل تلك القرى أشبه بعوالم المدن الكبرى و لو بإمكانيات بسيطة، و هذا ما يجعل الفيلم عبارة عن ويسترن اجتماعي...