سيناريو الفيلم سيناريو الفيلم جرىء فى قصته ومنضبط فى إيقاعه مفكك فى بعض أجزاءه ليراوح بين الفنيات الجيدة والوقوع فى أخطاء كبيرة . فهو¸يُحسب له طزاجة العالم الذى يتعرض له وجرأته فى الطرح والتركيز على ملامح إنسانية مُضيئة وسط قتامة الواقع. فالناس البسطاء يجمعهم الحزن ولحظات الفرح المُختلسة والأمل فى غداً أفضل ولا يحتاجون إلى جواز عبور للآخر \"فناهد\" تنتظر عند عائلة عادل ستة أشهرحتى يخرج من السجن تتصرف من اليوم الأول على أنها أحد أفراد الأسرة فى بساطة ويُسر وكأن القلوب مفتوحة على بعضها البعض بلا إستئذان . وزوجتى فتحى \" عمرو عبد الجليل \" الذى يكتشف عقمه فى النهاية تخفيان عليه حقيقة انه عقيم خوفاً على مشاعره رغم أنه كثيراً ما يوبخهما ويتهمهما بانهما سبب عدم خلفته لكن واحدة منهن لم تتفوه بالحقيقة ابدا ، وإذا بهما عندما يكتشف هو حقيقة نفسه يحنوان عليه ويتمسكان به حتى اخر العمر . كما نجد علاقة الضرتين ببعضهماعلاقة يسودها تعايش وود وكأن ضيق الحال جمع بين قلبيهما ، ونرى ايضا كيف يتجمع الناس فى العيد حول طعامهم البسيط فى طقس مصرى صميم فيه من المحبة و المرح والاحلام ما فيه من مسحة الحزن الخفيفة . الغناء أيضاً كان له مساحة أضافت على الأحداث نوع من العذوبة وسط هذا الخراب المتلاحق كما اتت الكوميديا الخفيفة والتى اجاد فيها عمرو عبد الجليل لتضيف إلى العناصر السابقة وتتكامل معها فى كسر حدة القتامة الناجمة عن تصوير واقع هؤلاء الناس. حاول السيناريو أيضاً الربط بين ما يحدث فى مصر والعالم العربى من خلال الإشارة إلى حروب العراق المتكررة فى ثلاثة عشر عاماً كما قدم مقابلة بين إمتهان الجسد من قِبل ظروف الحياة وإمتهانه بالتعذيب من قِبل الشرطة من ناحية فى مشهد المونتاج المتوازى بين \"ناهد\" وهى ترقص فى كباريهات الأسكندرية وبين ما يحدث لعائلة \"عادل\" من تعذيب فى أقسام البوليس ومن ناحية اخرى بين ذلك التعذيب وما يحدث فى العراق ليستحضر ذلك على الفورمشاهد ابو غريب فى السجون العراقية دون الإفصاح عن ذلك. لكن السيناريو على هذا الحال وقع فى أخطاء عديدة نذكر منها إنه وقع فى فخ المباشرة فى الطرح وإنتهاج سياسة الصوت العالى والزاعق الذى يستبدل التلميح فى الفن بالتصريح والتقرير . كما اصر السيناريو على ربط احداث الفيلم باحداث العراق كلها ليكون ملتزما بفترة زمنية طويلة فككت اوصاله فى بعض المناطق. وكان الاعتماد فقط على التلفزيون كرابط مكرر ما بين ما يحدث فى مصر وما يحدث فى العراق، رابطا لا يحدث تأثيرا على المستوى الدرامى ولا يؤثر على الاشخاص فلم ينبس احد الابطال بكلمة واحدة تعليقا على هذه الاحداث ولا نجد غير العائد من العراق فى صحبة نسناسا فى قفص عنصرا دراميا وحيدا -غير متقاطع بقوة مع الاحداث - يدلنا على تلك المأساة ، كما اعتمد السيناريو على بعض الحلول السهلة والمستهلكة فى بعض الاحيان مثل طريقة تلفيق التهمة لعادل باعطاء احد الرجال كيسا من المخدرات لوالدة عادل حتى تضعها فى فراشه ثم يأتى البوليس ليكمل الخدعة التى رأيناها من قبل كثيرا ، وجاء كم كبيرا من الصدف فى الخط الدرامى الخاص بناهد فهى تعرضت لكم من الصدف المتشابهه فى طريقة هربها من المصائب التى حلت بها ، ففى شقة العصافرة رحلت ناهد فى نفس الوقت الذى داهم فيه البوليس الشقة وفى العوامة فعلت نفس الشئ كما ان مداهمة البوليس فى كل مرة لهى طريقة سهلة ومكررة من كاتب السيناريو للانتقال بناهد من مرحلة الى اخرى . وطبعا لا ننسى الطريقة التى تعرف بها البطل على البطلة بإنقاذها من الإختطاف ليكون هو المُخلِص الذى تنتظره البطلة ستة أشهر حتى يخرج من السجن أما بالنسبة لطرحه للشخصيات ودوافعها فنُعيب عليه عدم طرح قضية التطرف بتحليل يليق بالظاهرة فالجماعات هنا مجموعة من الأشرار ليس لهم منطق يدمرون ويقتلون بلا مبرر ومع إختلافنا مع هذه الظاهرة إلا ان طرحها يجب ان يكون أعمق من ذلك تحليلا يبحث عن أسبابها خصوصا إذا كانت ستستخدم كعنصر أساسى فى العمل .
وعلى مستوى الإخراج كان إختيار مواقع التصوير موفقاً ومعبراًعن قضية الفيلم فمن العشوائيات فى القاهرة بحاراتها الضيقة وعششها إلى بنها بحارتها المشابهة وإن كانت اكثر هدوء ولاتختلف فى فقرها وضيقها عن عشوائيات القاهرة ومن بحر الأسكندرية إلى نيل القاهرة مروراً بمحطة القطار جاءت حركة الكاميرا متناسبة مع المكان والشخصيات المقدمة ونذكر منها حركتها الموحية فوق رؤوس المصلين فى صلاة العيد حتى تلتقى بالبطل وهو عائد من السجن غير ان \"خالد يوسف\" لم ينوع كثيراً فى ذلك كما فعله فى فيلمه السابق \"خيانه مشروعة\" ربما فضل ان تكون الحركات محسوبة حتى يحافظ على الطابع الموحى بالتسجيلية المساحات التى تتحرك فيها الكاميرا وبذلك تكون حركة الكاميرا وحجوم اللقطات االتى أبى المخرج ان يلعب بها بإبهاركما فى السابق من افلام قد كان ذلك متماشياً مع وجهة نظر تقديم عمل مباشر يصل للناس بسرعة . وعن الإخراج ايضاً نُُصدق على التنفيذ المُتقن للمشاهد مثل الإنفجارات التى كانت متقنة لا يشوبها عيب الاصطناع فبدت حقيقية ، و غرف التحقيقات التى بدت أكثر منطقية عن مثيلتها فى المشاهد المماثلة فى الافلام الاخرى ، وحياة اولاد الشوارع ، ملابسهم وهيئتهم وسلوكهم . وأغلب مشاهد الفيلم متقنة الصُنع مفعمة بتفصيلات دالة على المعنى ففى مشهد هروب أحمد بدير الأخير يهرب بهدوء عكس إتجاه الناس ليدلنا ذلك على موقفه الحقيقى كما يوحى لنا إنه إذا كان يعرف مخرجه الآمن الذى يخرج به من العشوائيات كما يظهر تحديده إياه على الخرائط فى المشهد السابق فمعنى ذلك ان هؤلاء الناس - سكان المنطقة - لا مخرج لهم وانهم حتماً سيكونون ضحايا الحرب الدائرة بين المتطرفين والشرطة وهنا تتأكد فكرة أن هؤلاء الغلابة الذين عاشوا على هامش الحياة من السهل جداً أن يضحى بهم الإرهابيون كما تضحى بهم الشرطة على حدً سواء
وفى مجال التمثيل اثبت الممثل الشاب \"عمرو سعد\" إنه قادر على القيام بدور البطولة وان لديه طاقات عالية و انه ببعض الثقل والخبرة يضع نفسه بسهولة فى مصاف الوجوه الأولى . كما كانت \"سُمية الخشاب \" مُتألقة وقادرة على حمل خط درامى منفصل وشخصية درامية دسمة راوحت بين إنفعالات عديدة صدقناها فى مجملها وأضافت الى رصيدها السابق نقطة مهمة فى تاريخها . هاله فاخر أبدعت فى دور الأم ولا انسى لها مشهدها المشترك مع ولدها حين آتى ليأخذ الغوايش من يدها قسرا ليكون مشهدا مفعما بالقسوة والحنو والدموع فى نفس الوقت وهنا تظهر الخبرة فى التمثيل والمقدرة على التأثير فى الناس ببساطة ، عمرو عبد الجليل ادى كومديا خفيفه محببه فى دور \"فتحى\" كما انه فى مشاهد العراك والحزن كان مميزا ليثبت لنا ان طاقاته التمثيلية متفجرة ، ويجب ان نشيد هنا بقبول نجوم كبار لأدوار صغيرة فى الفيلم ابدعوا فيها جميعا منهم احمد بدير وسوسن بدر وسامح الصريطى ، وان دل ذلك فانه يدل على تحمسهم لقضية الفيلم وفهمهم الواضح لان الدور ليس بمساحتة على الشاشة وانما باتقانه وقوة تأثيره. ولا أعرف لماذا استخدم خالد يوسف نفس الموسيقى التصويريه التى سبق وان استخدمها فى فلمه العاصفه اما كان يليق بكل هذا المجهود وضع موسيقى خاصه بالفيلم . وقبل ان انهى مقالى اريد ان ابدى استغرابى الشديد من الذين هاجموا الفيلم من منطلق أخلاقى وكأن الخطر الذى يحيق بهم هو أنفلات أخلاقهم وليس الفقر ولا الأهمال ولا كل الأخطار التى حذر منها الفيلم وصارت القضيه ليست جرس الأنذار الذى يريد صناع الفليم دقه بل أن من دق الجرس كان يرتدى جونله قصيره مثلا ، لتصير الجونله هى المتن وجرس الأنذار هو الهامش ، كما لو كان المتهمون على وشك الأنفلات الأخلاقى ويخشون ان ينبش اى عمل ابداعى هذه المنطقة ، وما دخل رصد الظواهر بالتحريض عليها إذا كيف نرصد المخدرات والدعاره وكافه الأنحرفات دون ان يقال أننا نحرض عليها . أما بالنسبه لمشهد المثلية الجنسيه الذى اثار زوابعا كثيرة فلم يتعد ذلك المشهد 10 ثوان من مجموع 120 دقيقه هى وقت العرض أى اقل من اثنين من عشرة فى المئة\" 0.2% من وقت الفيلم ، وكان ذلك المشهد خاليا من اى عرى حقيقى وهنا ادعوا هؤلاء المنتقدون لقراءة الأعمال الأدبيه التى صدرت مؤخرا و تناولت حياة المهمشين والحياه داخل العشش العشوائيه ليصدقوا أنها ظاهرة حقيقية تناولها الأدب فى السنوات الأخيره بشكل اكثر جرأه وبنقل الحقائق على عواهنها كما هى فى الحقيقة و ليس كما قال خالد يوسف انه لم يستطيع تقديم كل الحقائق التى رئاها عندما اعتذر للجمهور عن انه وجد الواقع اكثر قسوة فانتقى منه ما يصلح ان يصنع فيلما وذلك فى تترات الفيلم الأخيره. لكن الادب لم ينتق بل رصد بكل دقة ما يحدث ، و لان ليس كثيرا من متابعى السينما متابعى لباقى الحركات الفنية والادبية كان ذلك الفيلم صادما لهم .
وفى النهايه ستبقى السنيما مرآة الواقع لا تبتد ع واقعا لتقدمه وتبقى شاهده على عصرها مؤرخه لأحداثه كما كانت دوما وكما تميزت السينما المصرية على مر القرن الماضى . ولانملك إلا ان نقول لمخرج الفيلم أحسنت . قلت الذى تريد بصوت عال ولكن حسبك انك قلته ورفعت القناع عن بعض ماهو مسكوت عنه فالى الأمام ولعلك تخفف نبرتك فى الافلام القادمة ليصفوا إبداعك المبشر بمخرج مميز يصنع تاريخ.