قدمت السينما المصرية في الأعوام الأخيرة تنويعات متعددة لفكرة (المكان البطل) بمعنى أن يمتد دور المكان من مجرد وقوع الأحداث به لأن يكون مشاركا فيها..فمنه تبدأ وبه تتطور وإليه تنتهي..وغالبا ما يكون للمكان دلالة رمزية أعم من حدوده على الشاشة..ومن يشاهد الإعلان الدعائي لفيلم ((كباريه)) سيدرك فورا أنه ينتمي لهذه النوعية من الأفلام.
الجديد في ((كباريه)) وما لا يكشفه الإعلان هو دلالة المكان..فالكثير من المشاهدين ذهبوا للسينما متوقعين فيلما يجسد حال المجتمع المصري في صورة ملهى ليلي (وهو التوجه الدلالي السائد في هذه النوعية من الأفلام مؤخرا) ليجدوا صانعي الفيلم وقد وجهوا الرمز لحدود أوسع ليكون الكباريه هو الدنيا وارتباط الأبطال به هو ارتباط الإنسان بالحياة. .ففيه الصالح والفاسد..المتردد في التوبة والمجبر على المعصية والمستمتع بها!
المؤلف (أحمد عبد الله) قدم خلال ساعتين هي مدة أحداث الفيلم ما يقرب من عشر حكايات جسدها أكثر من خمس عشرة شخصية تميزت منها على صعيد الجودة والثراء (شخصيات ماجد الكدواني وجومانا مراد ودنيا سمير غانم)..وجاءت بعضها متوسطة تدور في فلك النمطية (شخصيات محمد لطفي وصلاح عبد الله وأحمد بدير وعلاء مرسي وفتحي عبد الوهاب ومحمود الجندي)..بينما كانت بعض الشخصيات مسطحة وبلا ضرورة درامية تذكر (مي كساب وخالد الصاوي وإدوراد وهالة فاخر ومحمد شرف وسليمان عيد)..ولا تعارض هنا بين النمطية وفكرة (التناقض) المميزة لكل شخصيات الفيلم..فكون التناقض هو اسم اللعبة يقسم الشخصيات داخله حسب ثرائها الدرامي.
أسوأ ما في الفيلم هو النهاية التي اختارها الكاتب له لسببين أولها هو تقسيم الأبطال لناجين (وهم من اختاروا طريق التوبة) وهالكين (وهم من رأي أحمد عبد الله أنهم يستحقون الموت!).. فالأمر ليس بهذه البساطة وكما أن وصول شخصية الجارسون (أحمد بدير) للتوبة لا يعفيه من خطاياه السابقة فان عدم وصول بعض الشخصيات الأخرى لها لا يمنح الحق للمؤلف بالحكم عليهم بالموت..(من ناحية أخرى لا أفهم سر تصنيف شخصية جومانا مراد ضمن فئة الهالكين رغم وصولها للحظة التنوير الخاصة بها وكانت عودتها لداخل الكباريه لإحضار ملابسها ليس إلا!).
السبب الثاني لسوء النهاية هو تبريرها لاستخدام العنف في مواجهة الفساد..فمحاولة فتحي عبد الوهاب لمنع تفجير الكباريه ومناداته شديدة السذاجة بأن (الحوار بيجيب نتيجة) لم تكن كافية لمنع معظم جمهور الفيلم من الخروج مقتنعين بأن القتلى كانوا يستحقون ما حدث لهم..فكرة العنف مرفوضة من الأساس ولكن لو تنازلنا قليلا لنفترض استحقاق صاحب الكباريه والمطرب والثرية العراقية للموت فلا أجد الفتاة الريفية والمحارب السابق والعامل الذي يريد أن يدفع مصاريف المدرية لأبنته إلا ضحايا مجتمع لا يرحم.
بالنسبة لطاقم التمثيل جاء (ماجد الكدواني) و (جومانا مراد) على قمة هرم الأداء بتفهم عالي لشخصيتيهما..(خالد الصاوي) الممثل المغامر الذي وافق على أداء شخصية ضعيفة غرضها كوميدي تجاري بالمقام الأول ليجسد دورا جديدا عليه فهو المطرب الشعبي المغمور الذي يعيش بمعونة عشيقته الثرية العربية..لا جديد في تمكن خالد من أدوات شخصيته وان كنت أتمني أن يكون الدور مؤثرا بشكل أكبر..(أحمد بدير) و (دنيا سمير غانم) و (صلاح عبد الله) (فتحي عبد الوهاب) و (محمد لطفي) جاء أداءهم في منطقة الجيد..باقي الأدوار لم تحتج أداء من الأساس!
في النهاية..فيلم ((كباريه)) عمل سينمائي يحمل قدر كبير من الجودة والرغبة في تقديم ما هو مختلف..عابه النزعة التجارية في بعض شخصياته وطول مدة الأغاني والرقصات بالفيلم ولكنه يظل عملا يستحق المشاهدة.