هناك بعض الأفلام التى يتم التعامل معها نقديا برفاهية و عدم قسوة فى الحكم عليها ، و هذا الفيلم هو واحد من هذه الأفلام ، فبقليل من التركيز ستكتشف أن به عيوب كثيرة و التى سأتطرق لها فيما بعد ، لكن مميزات هذا العمل أكثر بكثير من عيوبه ، و من أسباب الرفاهية فى الحكم أيضا أنه العمل الأول لمخرجه و مؤلفه \"عاطف حتاتة\" الذى يبدو أن التأنى و الأهتمام بالتفاصيل كانت شغله الأكبر هنا و التى نتج عنها مميزات العمل و عيوبه أيضا .....
مع بداية الفيلم قد تشعر انك أمام رصد تسجيلى للأحداث ، و ما يدعم ذلك : أولا عدم ظهور موسيقى تصويرية فى بداية أحداث الفيلم و التى ستظهر فيما بعد بمدة ليست بقصيرة ، ثانيا الصورة و ما يتعلق بها من ألوان تعمد أساسا الى اظهار الواقع كما هو بدون تجميل او اضافة اى رتوش عليه و هو ما يتماشى أكثر مع الصورة التسجيلية ، هذه الصورة هى التى ستتواجد معك طوال أحداث الفيلم ليشعرك المخرج -بطريقة مقصودة- بتسجيلية الأحداث و لا يكتفى بهذا بل يدعم ذلك ببعض المشاهد التى تقف الكاميرا فيها لرصد حركة ما أو فعل ما قد تشعر بأنه ليس على علاقة بالفيلم كما كان يحدث فى المشاهد عندما بدأ \" محمد \" فى العمل فى الشارع ..... هذا هو منطق الفيلم كما أراد صانعه و هو منطق ذو مغزى و هدف سيظهر لك مع قليل من التركيز .
كتجربة أولى لأى مخرج يستهوى بعض المخرجين شيئان : الأول التباهى بالكاميرا و استحداث وضعيات لها على حساب الفعل الدرامى و هو ما لم يقع فيه \"عاطف حتاتة\" فهو اختار اسلوبا مغايرا لذلك تماما و هو الرصد التسجيلى للأحداث -كما ذكرت من قبل- .... الشىء الثانى هو ازدحام العمل بالأفكار و القضايا التى يناقشها الفيلم و هنا تظهر مشكلة الفيلم ، فالمخرج المؤلف ملأ الفيلم بالقضايا بل و تعمق فى معظمها منها ما قد لا تجد له فائدة فى الأحداث كالتركيز على فساد التعليم و أذكر هنا المشهد الذى قام فيه الطلبة بتقطيع ورق الامتحان فهذا المشهد جاء بلا تمهيد و ذهب بلا تأثير على الأحداث ، ناقش الفيلم و بعمق أيضا قضية التطرف الدينى التى ما كان ينبغى لهذا التعمق أن يحدث ، فالمخرج ملأ الفيلم بخلفيات سياسية \" حرب الخليج ، التطرف الدينى \" و أخرى اجتماعية \" فساد التعليم ، أطفال الشوارع ، الفقر ، الانحراف ، الكبت الجنسى ، الخادمات و ما يتعرضن له من تحرشات \" .. فتخيل معى عملا و احدا بكل هذه الخلفيات بل و تم تناولها جميعا بعمق الامر الذى يشعرك بالارتباك بل قد تشعر بمباشرة فى الاحداث ، فى حين لو أن المخرج ركز على القليل من هذه القضايا لكانت النتيجة أروع من هذا بكثير .... لكن كما ذكرت فمميزات هذا العمل تفوق عيوبه فمن الكاميرا التسجيلية التى استخدمت بطريقة تخدم مضمون الفيلم و هدفه ، الى الاداء التمثيلى الجميل من جميع أبطاله خصوصا الموهوب \"أحمد عزمى\" الذى لم يقدم حتى الان دورا واحدا يوازى قوة ما قدمه هنا ، و\"سوسن بدر\" التى تمتلك طاقة أدائية مذهلة أظهرتها فى أدوار قليلة جدا .... هناك أيضا الموسيقى التصويرية التى ألفها المبدع \"هشام نزيه\" و غيرها من العناصر السينمائية الجميلة التى استطاع مخرجها التحكم فيها و استغلالها أفضل استغلال لخدمة الفيلم بل و التغطية على عيوبه لتخرج من الفيلم مشحونا ، متأثرا ، مستمتعا بموهبة سينمائية لم تقدم -للأسف- حتى الان تجربة سينمائية أخرى .......