شخصية الضابط التي جسدها أحمد سعيد عبد الغني أكثر إثارة من دور كريم عبد العزيز.. والممثلون في أسوأ حالاتهم باستثناء عبد العزيز مخيون باستثناء بعض الإيماءات الجريئة والموحية التي تتبني، كعادة كتابات بلال فضل، رأياً سياسياً كاشفاً، ولن نقول مناهضاً، واللغة السينمائية الرفيعة التي ميزت أسلوب المخرج أحمد نادر جلال، إضافة إلي النقلة الكبيرة في أداء الممثل الشاب أحمد سعيد عبد الغني، يمكن القول أن فيلم "خارج علي القانون" يمثل خطوة متقدمة عن فيلم "في محطة مصر" للثلاثي بلال فضل وأحمد نادر جلال وكريم عبد العزيز، لكنها تمثل تراجعاً نسبياً، علي صعيد الرؤية الفكرية، وأيضاً علي مستوي أداء كريم عبد العزيز، مقارنة بفيلمهم الرائع "واحد من الناس"! بالطبع لم يتخل بلال فضل عن موقفه السياسي، الذي تجلي عبر أكثر من موقف ومشهد وحوار بالفيلم، فأشار بذكاء، ولأول مرة في السينما، إلي التداعيات السلبية للتعديلات الدستورية الأخيرة من خلال المشهد الذي يقتحم فيه "رشاد غانم" ضابط مكافحة المخدرات ـ أحمد سعيد عبد الغني ـ شقة "عمر" ـ كريم عبد العزيزـ وعندما يسأله عن تصريح النيابة يبادره الضابط باستنكار :"انت مابتقراش جرايد ؟ الدستور اتغير خلاص"(!) وعندما يصر علي اصطحابه إلي قسم البوليس يعاود الشاب سؤاله: "بتهمة ايه؟" فيعلق الضابط باستخفاف: "إنت بتدق علي حاجات تافهة جداً"(!) وتتوالي الإشارات ذات المغزي، كالتنويه إلي "عين السخنة" بوصفها الملاذ الجديد للهاربين من أبناء الصفوة إلي الداخل إذا استحال تهريبهم إلي الخارج (!) والإيحاء بأن ثمة تواطؤا من جانب "الرتبة الكبيرة" في الداخلية مع "السويسي" تاجر المخدرات ـ حسن حسني ـ وتوبيخ الضابط الصغير لإصراره علي ملاحقته متجاهلاً كونه رجل أعمال كبير (!) والتستر وراء واجهات "البيزنس" للتمويه علي عمليات غسيل الأموال من تجارة المخدرات، واحساس الطبقة الجديدة من الطفيليين بأنهم "ولاد ناس وبقية طبقات المجتمع ولاد .."، كما في المشهد الذي يقبض فيه علي ابنة "السويسي" ـ شيرين عادل ـ بتهمة تعاطي المخدرات فتستاء لأنهم"حاطيني مع ناس شكلها غريب" ولما يتبني والدها وجهة نظرها يرد عليه الضابط "رشاد" : "كل اللي عندنا ولاد ناس، وماعندناش خيار وفاقوس ". وهنا تنتابك الحيرة في فهم سلوكيات الضابط، الذي يتشدد في تطبيق القانون لكنه لا يتورع ؛ إذا لزم الأمر، في تجاوزه كما حدث عندما وافق علي مقايضة حرز المخدرات الذي بحوزة "عمر" بالحرز الذي يدين ابنة "السويسي" لتبرئتها، وقيامه بقتل الابن الأكبر لتاجر المخدرات، الهارب إلي العين السخنة، لتوريط "عمر"، وأيضاً الافراج عن شقيقه الأصغر في صفقة تبادلية للايقاع بالرأس الكبيرة؛ فالتناقضات التي اعترت شخصية الضابط كانت سبباً في أن تثريها لكنها أوقعت المتفرج في حيرة بين كونه شريفاً أم شريراً وانتهازياً وأفاقاً ؛ إذ لا يمكن القول هنا أنه الإنسان بكل تناقضاته وإلا ضاعت هيبة القانون وسقط معني العدل، إذا تساوي حاميها مع حراميها، ومع هذا تبقي شخصية الضابط أكثر جاذبية وأقوي تأثير من "خارج علي القانون" أو كريم عبد العزيز الذي لم يبتعد، باستثناء مشاهد قليلة ونادرة، عن خطه الدرامي الواحد وايقاعه الرتيب المتكرر، ليس فقط علي مستوي الرغبة المحمومة في الثأر وانما علي صعيد الانفعالات والأفعال الثابتة التي لا تتغير ؛فمنذ اللحظة الأولي التي يكشف فيها الفيلم أن والده ـ محمود الجندي ـ كان تاجر مخدرات يتولد حاجز نفسي بينك، كمتفرج، وبينه، حتي لو قيل أن الأب قُتل غدراً لأنه أوشك علي إعلان توبته(!) وأن ضابطاً فاسداً تواطأ مع "السويسي" علي قتله ؛فإصرار الابن علي أن يمضي في طريق "الأب" بحجة أن "ابن الدكتور دكتور، والمهندس مهندس، وتاجر المخدرات تاجر مخدرات"، وعدم تسليمه بوجهة النظر المضادة، التي تتبناها زوجته "هنا"ـ مايا نصري ـ بأن عليه أن يختار طريقه، يعني أنه اختار بالفعل يوم أن ألقي بنفسه في أحضان تاجر المخدرات، وتفاني في خدمته بل تفنن في تهريب المخدرات وتبرئة ابنته في سلوك لا ينم أبداً عن كونه مجبراً وليس مسيراً (!)
في مقابل هذا الارتباك الصارخ، علي مستوي رسم شخصيات "خارج علي القانون" والأداء الباهت لكريم عبد العزيز وحسن حسني ومايا نصري وانعام سالوسة، والصارخ والمزعج لسلوي محمد علي، والاختفاء غير المبرر درامياً لابنة "السويسي"، وكأنهم أودعوها مصحة للعلاج من الإدمان، وغياب المصداقية في مشهد المطاردة بين الشرطة و"عمر" عقب اكتشاف صفقة المخدرات في سيناء، يستوقفك، إضافة لشخصية الضابط، الدور الرقيق والأداء البليغ لعبد العزيز مخيون، وبراعته التي أضفت الكثير علي الحيلة الدرامية المثيرة التي أبدعها بلال فضل، وأيضاً الدلالة الموحية باتساق البطل مع نفسه عبرإصراره الدائم علي أن تبقي أنوار الشقة التي تجمعه وحبيبته مضاءة، للتأكيد علي أن علاقتهما في النور وربما الايحاء بغياب شعوره بالأمان في هذا العالم السري.أما المخرج أحمد نادر جلال فأظهر امكانات عالية للغاية منذ لحظة ظهورالتترات، التي اكتست بلون أحمر في ايحاء واضح للعنف والدم ثم استخدامه الرائع للمونتاج (مها رشدي) والقطعات التي تحولت مع المؤثرات إلي طلقات رصاص، والفلاشات التي أوحت بمرور الزمن وأيضاً كثفت الشعور بالصدمة، والابداع في المزج بين الواقعة القديمة التي قتل فيها والد البطل، علي أيدي البوليس المتواطيء، والمذبحة الجديدة التي كانت تنتظر البطل نفسه، علي أيدي"السويسي"، وتوظيف النافذة ليستبدل فيها الأب بالابن، ويثير من خلالها فزع "السويسي"، الذي ظن أن "الميت عاد لينتقم"، وأيضاً زيارة البطل للبيت الذي شهد اغتيال الأب واقترابه من أرجوحة الطفولة ؛ففي كل مشهد، بل كل لقطة رصدتها كاميرا إيهاب محمد علي، تتأكد أن هناك مخرجاً أضفي لمساته الابداعية علي"خارج علي القانون"، ولولاه لفقد الفيلم الكثيرمن قيمته ورونقه واثارته، ولعلها المرة الأولي، في الأفلام التي يكتبها بلال فضل، ترتقي فيها الصورة واللغة السينمائية بالفيلم فتخفي عثراته الدرامية، بعدما كان المعتاد أن ترتفع سيناريوهات "بلال" بالأفلام، وتدفع المتلقي لتجاهل سقطاتها التقنية حباً وكرامة في "فضل"؛ فالحوار الساخر أوالنقد اللاذع قد يرضي غرورالمحبين لكنه، أبداً، لن يغنيهم عن انتظار سيناريو متماسك يخلو من القفزات وغياب المبررات ولا يتعاطف مع خارجين علي القانون لمرض في قلوبهم وليس لأن الظروف والأقدار ظلمتهم، حتي لو تجمل السيناريو باستنكار جريء لدستور تم تعديله لتنتهك كرامة المواطنين وتهان آدميتهم، فهو استنكار مستحب وجرأة محببة بشرط أن يتحولا إلي صورة وإلا فمكانهما "الدستور"!