جلست طويلا أفكر فى البداية التى ينبغى أن أصيغها للحديث عن هذا الفيلم ، و المزعج أن كل ما يخطر فى بالى عبارة عن كلام معاد و مكرر عن روعة الفيلم و جماله و أهميته و كل هذا الكلام الذى سيقوله أى شخص تسأله عن رأيه فى هذا الفيلم .... الجميل فى هذا الفيلم حقا أنه يقترب الى روح الشعر اقترابا روحيا و نفسيا رائعا طارحا أفكاره و أحداثه فى قالب رومانسى شاعرى مغزول بمشاعر فى منتهى التناقض من حب و كره و انتقام و شرف و خداع و توبة و غيرها من المشاعر و الصفات التى حتما ستجد شيئا منها بداخلك ، و يصدمك المخرج بكل المفاجآت و التحولات المدروسة بعناية فائقة ليحدث لديك تأثير يقترب من تأثير الاستماع الى شعر جميل أو هو بالفعل نفس التأثير فيقشعر بدنك و تسمو روحك و تعيد سماعها ثانية ..... هل تريد من الفيلم السينمائى غير ذلك ؟؟
الجميل أيضا هنا أن المخرج يقدم لك رحلات طويلة -و ليس واحدة فقط- داخل النفس البشرية و مراحل تطورها و اكتسابها الخبرات و التجارب ، فنتابع رحلة البطلة " هنادى " فى بحثها عن كل شىء و ليس رحلتها المزعومة عن الانتقام فهى نوت بالفعل ذلك و لكن فى العمق كانت تبحث عن نفسها ففى بداية الفيلم تجدها خجولة تسير وراء أختها تخفى وجها دوما بحجاب ترتديه ، غير قادرة على الفعل لتجدها فى النهاية و قد خلعت هذا الحجاب تسير و رأسها مرفوعة تبدو أكثر خبرة و انطلاقا للحياة ، نتابع تلك الرحلة عبر تفاصيل فى منتهى الجمال و تصاعد منطقى و مشوق للأحداث خصوصا أن معها رحلة أخرى للبطل و تغييره الكبير داخل الأحداث و الذى لم يكن ليحدث لولا رحلة "هنادى" نفسها .
الجميل أيضا و أيضا أن السيناريو فى هذا الفيلم اتبع عدة طرق من فلاش باك و وجود راوى للأحداث بالاضافة الى الصياغة التقليدية لسير الأحداث و أيضا رحلة البطلة " آمنة " و تحولاتها النفسية و الاجتماعية التى تتصاعد بمنتهى الشياكة و العناية و معها أيضا رحلة البطل و تحوله الكبير من شخص آفاق مخادع يستحق الموت الى شخص آخر مسالم بشوش تبكى عندما يقتل بالفعل فى نهاية الأحداث ، تلك المفاجآت و التحولات الدرامية الكبيرة بالاضافة بالطبع الى المشاعر التى تتغير كل فترة تضع المخرج فى مأزق حقيقى فاما أن يكون ملما بالعمل و ممسكا بخطوطه و الا فلت منه الايقاع و تحول الفيلم الى مبالغة ميلودرامية سخيفة ، لكن الشاعر " بركات " استطاع الامساك بالفيلم و كان على يقين بأنه يقدم قصيدة شعرية جميلة ، و استطاع توظيف كل شىء هنا فى خدمة الموضوع و تصوير الانفعالات و تجسيد الأحداث ، سأتحدث أولا عن " أماكن التصوير الخارجية و الديكور الداخلى لأنهما كانا بطلا حقيقا فى الأحداث فتأمل ديكور المنزل البسيط البدائى الذى كانت تعيش فيه هنادى فى أول الفيلم ألم يعبر عنها و عن بساطتها و عدم خبرتها بالحياة ، ثم بعد ذلك قارن بين منزل المأمور الذى ذهبت اليه هنادى للخدمة و منزل المهندس الذى ذهبت اليه آمنة للخدمة فالأول يشعرك بالتفاؤل و الراحة و الطمأنينة أما الآخر الذى يظهر لاحقا فهو مقبض و كئيب و ربما ترجع تلك المقارنة الى عنصر الاضاءة التى وظفها المخرج هنا كأفضل ما يكون ، لكن الديكور لعب دورا مهما هنا أيضا .... و التصوير الخارجى له دور شاعرى جميل و معبر عن الأحداث فالمكان الذى قتلت فيه آمنة هو الصحراء للتعبير عن قسوة المشهد الذى لم تظهر به نقطة دم واحدة فكانت الصحراء بديلا لتلك القسوة و الظلم .
ثانيا بالنسبة للتصوير و الاضاءة فقد قدم المخرج كادرات فى منتهى الجمال من لقطات عامة للتعبير عن البيئة المقدم خلالها الفيلم و لاضفاء جو من الشاعرية على الأحداث خصوصا القاسية منها مثل مشهد مقتل هنادى و تأتى الكاميرا فى كل المشاهد هادئة و تتحرك بكل سلاسة و هدوء حتى عندما تثور الأحداث و تتصاعد تجدها هادئة و فى نفس الوقت لا تشعرك بأى نوع من الغرابة و يرجع الفضل هنا أيضا الى الاضاءة فقد اعتمد المخرج فى المشاهد النهارية على ضوء الشمس فقط و المشاهد الليلية على ضوء " لمبة الجاز " و استغل مدير التصوير هذا أفضل استغلال ممكن .
بالنسبة للتمثيل فلا داعى للحديث هنا عن روعة أداء كل الأبطال بلا استثناء فسيصبح ذلك شيئا مملا و مكررا لكن ما أريد تأكيده أن كل من كان فى هذا الفيلم كان رائعا و مدهشا و أدى دوره على أحسن وجه .