كتب: سلامة عبد الحميد منذ المشهد الأول لفيلم "الشوق" للمخرج خالد الحجر تشعر باليأس بسبب حالة من السوداوية الواضحة في طرح قضايا لاشك في أنها سوداء بالفعل حتى أن الفيلم ينتهي دون بارقة أمل واحدة في امكانية تغير الواقع إلى الأفضل. رغم تلك الحالة المظلمة للواقع المطروح بخشونة تناسب أسلوب حياة الشخصيات في الفيلم إلا أنه قدم ما يمكن أن نعتبره إعادة طرح للسينما الواقعية في سوق الإنتاج المصري والتي تلاشت تقريبا أمام طوفان السينما التافهة تحت دعوى أنها اعمال تجارية و"الجمهور عاوز كده"، اللهم إلا من قلة محدودة من الأفلام بينها فيلمي خالد يوسف "حين ميسرة" و"دكان شحاتة" وفيلم مجدي أحمد علي "عصافير النيل". يستحق فيلم "الشوق" أن يمثل مصر في مهرجان القاهرة السينمائي وربما كان التمثيل المشرف الأبرز منذ سنوات لسينما عمرها تجاوز المائة عام وسط حالة من استجداء المنتجين سنويا لمنح المهرجان الكبير فيلما حتى لا تظهر مسابقته الرسمية بدون فيلم للبلد المضيف. في "الشوق" الذي تمتد أحداثه على مدار 130 دقيقة تم تصوير معظمها في منطقة "اللبان" الشعبية في الأسكندرية، تدور الأحداث حول عائلة مكونة من أب وأم وفتاتان وطفل يعيشون في حارة فقيرة ليكشف الكثير من مساوئ الفقر الذي يؤدي إلى تدمير الأسرة بالكامل بدءا من موت الطفل بسبب عدم القدرة على علاجه ثم تحول الأم إلى متسولة قبل أن تتحول الفتاتان إلى عاهرتين. ويقدم الفيلم صورة بانورامية لمجموعة من العائلات الفقيرة في الحارة الشعبية التي يتسبب الفقر أيضا في تفتتها جميعا بينما تعد العائلة الرئيسية نموذجا للمصير المظلم الذي يواجهه الملايين من المصريين في ظل عدم تطبيق أنظمة إجتماعية بينها التأمين الصحي ودعم البطالة والتعليم الإلزامي. لا يعمد الفيلم أبدا إلى الحديث في السياسة حتى أنه لا تظهر فيه ولو مرة واحدة شخصية ضابط شرطة أو رجل أعمال ثري، لكن لا يمكن أبدا تجاهل الدور السياسي في تفشي الفقر في المجتمع الذي يعاني تجاهلا حكوميا واضحا في الفيلم بدءا من تدني الأجور وانعدام فرص العمل والخدمات الصحية الرديئة التي تتسبب في وفاة البشر وغيرها من القضايا التي يغرق الفيلم في طرحها من خلال أحداث يغلب على تصويرها المشاهد الخارجية والأماكن المظلمة التي يظهر فيها مدى الفقر الذي يعيشه الملايين في مصر. ربما تكره الفيلم كثيرا بسبب الحالة النفسية التي يتسبب لك فيها والتي تسببت في حالة من الكأبة العامة التي غطت وجوه كل من شاهدوه في عرضه الأول، لكنك لا تملك إلا أن تصفق لصناعه الذين قدموا حالة سينمائية متميزة لقضايا شديدة الخصوصية تعتمد بالأساس على طبيعة البشر المتطلعة للأفضل في ظل ظروف حياتية لا تدعم تلك التطلعات. خالد الحجر مفاجأة الفيلم الأولى، فهو مخرج اعتاد تقديم أعمال خفيفة تضم الاستعراض والكوميديا في اطار اجتماعي لا يخلو من المشاعر الرومانسية مثلما كان الحال في "حب البنات" و"قبلات مسروقة" وحتى في "مفيش غير كده"، لكنه في "الشوق" يقدم فيلما مختلفا تماما عن كل ما قدمه سابقا في اطار استعراض قدراته كمخرج محترف قادر على تقديم كل الألوان، وإن كان الفيلم شهد بعضا من الرتابة في بعض الأوقات لكنها كانت رتابة محتملة تليق بموضوع "ثقيل الظل" يحتاج مشاهدا صبورا. سوسن بدر تثبت مجددا أنها فنانة الأدوار الصعبة وتتحدى نفسها في شخصية "أم شوق" تلك السيدة المتسلطة التي تملك كل مفاتيح تحريك شخصيات الحارة من خلال ذكاءها الواضح وقدرتها على الإقناع الذي تستغل فيه خبرتها في قراءة الفنجان ومعرفة الجميع بأنها "ملبوسة بعفريت"، وربما كانت مشاهد قراءة الفنجان وتلبس العفريت بها من أفضل المشاهد في الفيلم على الإطلاق. روبي لم تكن الشخصية المحورية في الفيلم رغم أن الجميع توقع لها هذا بعد دورها المتميز في فيلمها السابق "الوعد" وربما كان بناء شخصية "شوق" التي قدمتها أضعف كثيرا من المتوقع، خاصة لو تمت مقارنتها بشخصية شقيقتها في الفيلم "عواطف" التي قدمتها شقيقتها في الواقع "ميريهان" والتي كانت أكثر قوة وإجادة في دورها رغم أنها تقدم تجربتها الأولى في عالم التمثيل. أحمد عزمي ومحمد رمضان قدما شخصيات مشابهة لما قدماه سابقا ولم يتح لهما الفيلم استعراض قدراتهما التمثيلية، وإن كان بدا واضحا ترهل بنية الأول وضرورة مراعاته لبنيانه الجسمي، وتمرس الثاني في الظهور أمام الكاميرا بشكل أفضل مما كان عليه في أدوار سابقة.