ترددت كثيرا قبل أن أشاهد فيلم " الحياة.. منتهى اللذة" أول بطولة سينمائية (أول ظهور) للمطرب والملحن والموزع وكاتب الأغاني (يوري مرقدي). لأول وهلة وأنت تشاهد الأفيش تشعر أنك سوف تشاهد فيلما كغيره من الأفلام الشبابية الحالية فإما أن في قاع المدينة أو في أعلى أبراجها، وأفيش الفيلم يوحي بأن أحداثه من النوع الثاني، والذي يتخذ من الأمركة في كل شيء كالملابس والمنازل ونمط الحياة وسيلة لجذب المشاهد وإبهاره! فالأبطال في الأفيش بكامل هيئتهم من بدلات وفساتين سواريه ومع ذلك الشعور غامرت وشاهدت الفيلم.
فوجئت مع اندماجي في الأحداث أن الفيلم ليس كغيره من الأفلام فالسيناريو محكم والحوار موفق للغاية والفيلم لا يدور فقط في فلك أولاد القصور بل يوضح أقصى درجات الاحتكاك الطبقي بين الطبقة السفلى ممثلة في (سعاد نصر) وزوجها (أحمد راتب) وابنتهما (زينة) والطبقة العليا ممثلة في (يوري) و (حنان ترك) و(منة شلبي) وزوجها.... ومشاكل كل طبقة على حدة. تدور الأحداث حول حنان ترك التي تصاب باليأس بعد وفاة والدها مما يجعل زوجها يبتعد عنها تدريجيا ليتورط في علاقة آثمة مع خادمته (زينة) ابنة (سعاد نصر) الخادمة المسكينة التي تملك حلما يتيما هو زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. زوجها (أحمد راتب) سكير يعامل زوجته بعنف نتيجة إدمانه بالإضافة إلى عائلة (منة شلبي) التي تتورط في علاقة إلكترونية مع شاب عبر الإنترنت حتى يعلم زوجها فيطلقها جزاء لها. أكثر ما أثار انتباهي في الفيلم هو ظهور الدين الواضح فلأول مرة نجد شخصية في عمل فني مصري تتحدث عن فلسفة الحجاب وعن كونه ليس مجرد غطاء للرأس في صورة محاورة (حنان ترك) لنفسها وهي تقود السيارة وأيضا هذا الشغف الذي تبديه (سعاد نصر) لزيارة (قبر النبي) في صورة عمرة، والصلاة المتكررة لزوج منة شلبي فوق هضبة المقطم، وهذا لا يتعارض مع المدنية لأن الدين موجود مهما اختلفت الطبقات الاجتماعية. أيضا مما بهرني في هذا الفيلم هو ذلك الأداء الممتاز لـ (يوري مرقدي) والذي فوجئت به خصوصا مع تصاعد الأحداث فتكاد تشعر أنك أمام ممثل محترف يمتلك من الأحاسيس ما يجعلك تشعر به كأنه أنت. والمأخذ الوحيد في أدائه هو التمسك باللهجة المصرية التي سحبت من رصيده لأنها ظهرت ضعيفة بطبيعة الحال وأعتقد أنه لو تحدث اللبنانية لتكامل أداؤه خصوصا أنه تم التنويه خلال العمل أنه تربى في لبنان. (سعاد نصر) و (أحمد راتب) كل منهما أذهلني أداؤه فسعاد رحمها الله التي اعتادت على أدوار "الشعننة" قد قامت بتصحيح مسارها في هذا الفيلم بدورها الذي أعطيه المركز الأول بين كل أدوارها قاطبة. طرح الفيلم قضية هامة وهي غياب التواصل في العائلة مما قد يدفع الزوج والزوجة إلى ما لا يحمد عقباه، وأيضا تعرضه لقضايا التكنولوجيا ومدى تأثيرها الاجتماعي في صورة الزوجة (منة شلبي) التي طلقت إثر علاقتها الإلكترونية مما جاء بمثابة جرس إنذار للأسرة المصرية التي احتلتها خيوط الشبكة العنكبوتية.
وأخيرا فالفيلم نموذج يحتذى به في العمل الجماعي ونتمنى أن نشاهد أفلاما ذات قيمة اجتماعية كتلك التي يحملها هذا الفيلم