يستحق الأستاذ صلاح أبو سيف تهنئة خالصة لمجهوده بهذا الفيلم ، ولعلي لا أكون مبالغًا إذا قلت إن هذا الفيلم هو أعظم أفلام عنتر حظًّا ، وأقربها إلى التوفيق . وحسبي أن أسجل هنا أهم الظواهر التي امتاز بها : ( أولا ) كان هذا أول فيلم مصري لا تبدو فيه مشاهد الحركة والمعارك والقتال كأنها عبث الأطفال ، فقد أفلح في إدارته لمشهد الهجوم على قصر حاكم الرومان ، واستطاع أن يخلق جو معركة حقيقية تنبض بالحركة والحياة . . ( ثانيًا ) كان السرد الفيلمي في الرواية موفقًا إلى حد بعيد ، وقد احتفظ بعنصر التشويق والإثارة ، ونجح في رسم شخصيات القصة وتصوير أحوالها المختلفة . ( ثالثًا ) ولأول مرة أيضًا أسمع حوارًا بدويًّا في فيلم فافهمه ، ولعل ذلك راجع إلى إتقان تسجيل الصوت . . وقد كان هذا الحوار البدوي جميلا رقيقًا كأعذب شعر . . ولكنني لا أفهم كيف يتكلم القواد ، والجنود الرومانيون بنفس اللهجة البدوية التي كان يتكلم بها عنتر ؟! هذه غلطة ما كان يجوز أن يقع فيها ، وكان الواجب أن يتكلم الرومان بلغة عربية سهلة ، وما دمنا سنجري على ألسنتهم لغة غير التي يتكلمون بها فعلا - وهو أمر مقبول في التمثيل - فلا معنى لأن يتكلموا هذه اللهجة البدوية التي كان يلتوي بها لسان استيقان روسيتي ، فتبدو سمجة غير مقبولة ! وكذلك لم تعجبني الصورة التي أظهر بها المخرج سوق عكاظ ، فقد كنت أنتظر أن يدرس عادات العرب عند اجتماعاتهم به للتجارة والمفاخرة وإنشاد الشعر ، فيظهر لنا صورة حية زاخرة بحشود القبائل . . كنت أفضل أن يستغني عن هذا الشد بدلا من إظهاره على هذا الوجه الهزيل . التمثيل : تخصص سراج منير في دور عنتر حتى صار علمًا عليه ، ولقد ساعده الدور في هذه القصة على إظهار لقطات ممتازة أجاد فيها التعبير بوجهه وأبدع في إلقائه غير أنني أنصحه أن يتلقى دروسًا في المبارزة بالسيف إذا أراد أن يستمر في تقمص أمثال هذه الشخصية التي ترتكز شهرتها على الفروسية واللعب بالحسام ! وقامت كوكا كعادتها بدور عبلة ، والواقع أن كوكا تعتبر في تمثيلها لدور البدوية أقدر ممثلات الشاشة في مصر ، ولقد ساعدها على النجاح قدرتها على التعبير بالوجه ، وصوتها الذي يجمع بين القوة ، والخصوبة ، والعذوبة ورشاقة حركاتها . وأسجل لها بوجه خاص نجاحها في مشهد "البِشعَة عندما تقدمت إلى الطاسة المحماة في النار لتلعقها بلسانها كي تثبت ـ على عادة العرب في الجاهلية – طهرها وبراءتها ! ولكنني ألاحظ أن وجهها لم يكن يبدو جميلا في أغلب اللقطات ، وقد تعودنا أن نراها في هذا الدور جميلة شائقة ، هل هو خطأ المصور أو الماكيير ؟ مهما يكن من الأمر ، فقد كان مكياجها سيئًا في معظم أجزاء الفيلم مع أنه أحوج إلى المكياج المتقن الذي يجعل مفهومها شيئًا جميلا . . ولا يفوتنا أن نذكر زكي طليمات الذي قام بدور الجاسوس قارون ، فجعل منه دورًا مهمًّا ، وانتزع الإعجاب في أكثر من موقف لولا ميله إلى الأسلوب المسرحي في الإشارات والإلقاء