يعرف الكثيرون صعوبة التصوير الخارجي، خاصة في بيئة مثل البيئة المصرية، وما يرافقها من تحديات ومشاكل قد تواجه أي مخرج يقرر أن ينقل كاميراته وديكوراته إلى الشارع. إلا أن المخرج عاطف سالم استطاع، بعبقرية عالية وجهد فني محترم، أن يقدم تجربة فريدة من نوعها من خلال فيلمه «صراع في النيل». تدور قصة الفيلم حول قرار أهالي قرية بشراء صندل بحري لاستخدامه في عمليات النقل النهري والتجاري، فيُكلف العمدة الشاب مجاهد (رشدي أباظة) بعملية الشراء، ويرافقه محسب (عمر الشريف) في رحلتهما إلى القاهرة. قد تبدو القصة بسيطة للبعض، ولكن إخراجها من حيز الورق إلى الشاشة الفضية، خاصة من خلال رحلة نهرية تمتد قرابة الساعتين، يُعد تحديًا كبيرًا. نجح عاطف سالم في تنفيذ هذا الفيلم بمستوى حرفي عالٍ، متقنًا التنقل بين أماكن يصعب التصوير فيها، وبمرونة وحكمة مكنته من تحقيق لقطات حيوية لا تُنسى. ولا يمكن إغفال الدور الكبير للمؤلف علي الزرقاني الذي قدم شخصيات درامية واقعية مستمدة من الحياة، تحمل في طياتها رغبات إنسانية وعناصر الإثارة والتشويق، مقدماً صورة صادقة عن أعماق الصعيد وقيم أهله النبيلة. يتميز الفيلم بتصوير النيل بدءًا من وجه مصر في أسوان وحتى أعلى نقطة فيه في القاهرة، مع إبراز ساحر لضفافه، مما يبعث في المشاهدين حبًا وشوقًا للنيل الأسمر. ويعد الفيلم من الأعمال القليلة التي أولت اهتمامًا لتصوير هذه الطبقة المصرية، مقدمًا رؤية كلاسيكية متميزة للنيل بعيدًا عن مجرد الجانب الجمالي. من جهة أخرى، تألق أبطال الفيلم في أداء شخصياتهم بدرجة عالية من الإتقان والمهارة. كما تم توظيف أغاني المطرب محمد قنديل بشكل مناسب للأحداث، خصوصًا أغنية «يا حلو صبح»، مما أضاف للفيلم عمقًا وثراءً فنيًا. في النهاية، يخرج الفيلم عملًا متكاملاً يستحق المشاهدة والتقدير كواحدة من روائع السينما المصرية.