تأثر مسلسل عمر بن الخطاب اللذي عرض في رمضان بالهالة الإعلامية الضخمة اللتي سبقته نسبة لضخامة الإنتاج المدعوم من قناة قطر ومجموعة (إم بي سي), هذا بالإضافة للجدل الفقهي اللذي صاحبه. شاهدت المسلسل كاملا وكان هدفي الإستمتاع بالعمل وتكوين رؤية فنية عنه بعيدا عن كل الجدل والأراء اللتي تباينت حول المسلسل حتي قبل مشاهدته وهو ما سأسعي لتلخيصه في هذه الزاوية. اللافت أن الدكتور وليد سيف مؤلف العمل كان حريصا جدا علي الأمانة التاريخية ربما تحسبا لأي هجوم محتمل لن يسلم منه أصحاب العمل علي أي حال . وبالرغم من أن الأمانة التاريخية أمر واجب إلا أنها حرمتنا من الخيال الفني المطلوب لرصد شخصية مر علي وجودها أكثر من ألف وأربعمائة عام !! علي كل حال نحن أعلم بالمجتمع اللذي نعيش فيه وحساسية تناول المواضيع الدينية لذلك لا نكون واقعيين في مطالبتنا لعمل فني –هو الأول اللذي كسر حاجز تجسيد الصحابة - بأكثر مما قام به وإن المسلسل بلا أدني شك يعد فتحاعظيما في هذا الجانب. فنيا إنعكس هذا الأمر علي غياب شخصية عمر بن الخطاب عن موقع الشخصية المحوية لأغلب أوقات المسلسل..لقد تبادلت شخصيات وحشي وبلال وخالد بن الوليد وعبدالله بن سهيل مثلا موقع البطولة الفعلية لفترات مختلفة خلال الحلقات وكنا نشعر أن المسلسل لا يحمل من عمر إلا إسمه بينما شخصيته تشارك علي هامش الأحداث. ولم ترد حياة عمر الشخصية في أي جزء من المسلسل حتي نهايته بل كان دور زوجته عاتكة مثلا أشبه بضيف الشرف .. غياب الجانب الشخصي عن عمل يتناول سيرة شخصية تاريخية هو أمر لم أفهمه ولم أتوقعه أبدا . كنا نبحث عن لمحات من شخصية عمر وإنفعالاته الشخصية وهو للأسف تكنيك درامي مفقود تماما في المسلسل الأمر اللذي عززه أداء تمثيلي أقل من المطلوب من بطل المسلسل سامر إسماعيل .. يعيب سامر من وجهة نظري التفاعل العاطفي مع الحدث أثناء المشهد وخلال العمل ككل فهو يؤدي الدور بهدوء قاتل في بعض الأحيان وتعبيراته جامدة إلي حد كبير..كنت أنتظر من الأستاذ حاتم علي أن يكون دور عمر بن الخطاب أكثر حيوية وإنفعالية ولكن تم تصوير عمر أقرب إلي شخصية شيخ هادئ وهو ما يتنافي عن ما عرف تاريخيا عن شخصية ثاني الخلفاء الراشدين. بالمقابل كان الأداء مقنعا للممثلين اللذين أدوا أدوار أخري مثل النجم غسان مسعود اللذي تألق في دور أبوبكر أو آخرون أقل شهرة ولكنهم نجوم صاعدة مثل غانم زرلي في دور علي بن أبي طالب ومهيار خضور في دور خالد بن الوليد ونجاح سفكوني اللذي أدي دور سهيل بن عمر ومحمد قريع اللذي أدي دور ملك الروم بإقناع ولا ننسي وحشي اللذي قام بدوره زياد التواتي وبالمناسبة كل هولاء النجوم الصاعدون بإستثناء مهيار خضور تونسيي الجنسية وهو أمر يؤكد حجم المواهب الموجودة في هذا البلد. بينما شارك سامر عمران صاحب دورعثمان بن عفان زميله سامر إسماعيل سوء الأداء وكان أداء قاسم ملحو كعمرو بن العاص متوسطا.كما قام الممثل السوداني المقيم في سوريا ياسر عبداللطيف بظهور خاص في دور النجاشي ملك الحبشة وكان أداءه متوسطا. إلا أنه ومن وجهة نظري يبقي - التونسي أيضا - (فتحي الهداوي) اللذي لعب دور أبو سفيان الأكثر إجادة وإبهارا علي الإطلاق . لقد نفذ (فتحي الهداوي) مشهد أبو سفيان وهو يتحسر بحرقة مع زوجته هند بن عتبة علي سيادتهم الضائعة عقب فتح مكة بحرفية عالية حيث تصاعد غضبه وإنفعاله مع تحكم وثبات عالي في حركة الجسد حد الإتقان. إهتمام (فتحي الهداوي) بكل التفاصيل كان واضحا بما فيها تلك الأداة اللتي لزمته وهو يهش بها علي وجهه بصورة حاسمة وسريعة ونال العلامة الكاملة في الإقناع وتقمص الشخصية من وجهة نظري. وكنت أنتظر أن يكون دور الشخصية المحورية عمر بن الخطاب بهذا الإتقان والحيوية وهو الأمر اللذي كان سيحدث فرقا كبيرا . بقي أن نشير إلي الجوانب الأكثر إشراقا في العمل متمثلة في الديكور والمكياج والأزياء. لقد لعبت هذه العناصر الثلاثة دورا حاسما في جودة هذا العمل حيث كانت الشخصيات مرسومة بعناية فائقة ويبدو أن أكثر ما دعم سامر إسماعيل لأداء الدورهو مظهره المناسب تماما بعد إضافة الزي والمكياج واللتي خضعت بالضرورة لإختبارات عديدة . كما أن الديكورات في بناء المدن المختلفة مثل مكة والمدينة ودمشق والمدائن كانت متقنة تماما . بلغ العمل كذلك درجة الرضي من حيث إخراج المعارك اللتي أوليت عناية خاصة أضافت للعمل . كما أن المقاربات الدرامية و الحبكات في ثنايا المسلسل واللتي نفذها الأستاذ حاتم علي بحرفية عالية لشخصيات بعينها مثل وحشي وبلال وسعيهما نحو الحرية إبتداء من صراعهما علي الحلبة قبل الإسلام وإستمرت طوال المسلسل كانت محبوكة بشكل رائع جدا . كذلك المقارنة الدرامية بين أبناء سهيل بن عمرو كانت من البصمات الإخراجية الواضحة بما إحتوته من ثراء وخيال فني كنا نتمني أن يمتد ليشمل الشخصية اللتي يحمل المسلسل إسمها. يبقي العمل ناجحا ويستحق المتابعة وبحرص أيضا ولكنه أقل من التوقعات فيما يتعلق بإسم الشخصية اللتي يحملها وتبقي مشاهدته أمرا ممتعا علي كل الأحوال.