احتياج مصر للفن هو تماما كاحتياجها لنهر النيل ؛ مصر التى اتحدث عنها ليست مصرقطع الأذن ولا "كام واحد اعتلاكى" ولا القرض لأ...القرض آآآآآآه . أنا اتحدث عن مصر النسيم ف الليالى و بياعين الفل . لا اتحدث عن مصر "الشيىء بدر"ولا مصر "فلوباتير " و "يا واد يا مقرف". انما عن مصر الدين لله ؛ مصر الشيخ عفت و الاب بطرس دانيال و الابن والاخ و الصاحب مينا دانيال. اننى عن مصرنا اتحدث ... و ليس عن ولاياتهم الافغسعوقطرمصرية اللى ماعنديش فكرة هاتبقى متحدة من انهى جهة ! فن مصر ..شريان حياة ولو كره الكارهون ! و ليس معنى ان هناك من يسيىء للصرح بسلوك شخصى أو مادة فنيّة ليست ذات قيمة ان نرجم الفن و الفنانين بلا تمييز . استلزم هذه المقدمة التى طالت رغماً عنى ذاك الهجوم المحشود له بدهاء و بعناية الذى طال كل ماله علاقة بالفن و الهوية المصرية الثقافية لهذه الامة ..فجأة ... و على حين غرّة!!! و ان تحدثنا عن أهمية الفن فلا يجب ان نغفل "الامتاع " فى حد ذاته كأسمى أهداف العمل الفنى ..فان صاحب الامتاع "اقناع" و "اعمال للعقل" و "تأريخ " موضوعى و كاشف للتفاصيل الصغيرة ..فهو اذن ...خير و بركة ! و اليوم عن احد هذه الاعمال الراقية نتحدث ..انه "بعد الموقعة ". دائما ما اتوقع من ارتباط اسم "يسرى نصر الله" بعمل ما بان احصل على منتج ذى قيمة تتحدى احداثيات السوق و العرض و الطلب و شارع الهرم و سينما ال"حصل خير". منتجا فنيا يتخذ مكانا قصيا فى الذاكرة و الروح و تراث سينما هذا البلد . العمل انتاج مشترك بين دولار فيلم و نيو سينشرى و التلفزيون الفرنسى . و فريق العمل الذى كان قوامه يسرى نصر الله و عمر شامة فى التاليف و منة شلبى و نودى السباعى و الموهبة الفارقة باسم سمرة كابطال للعمل جعلت توقعاتى تنمو مع كل اقتراب لموعد عرض الفيلم الذى شارك بالمسابقة الرسمية بمهرجان كان بعد عقم و انقطاع مصرى مرير منذ "مصير" يوسف شاهين . احب ان ابدأ كلامى بباس سمرة الذى ينتمى لطراز الفنان القادر على اقناعك باى شيىء بلا مبالغة و كل شيىء بلا استثناء . فقد ادى دورا اراه عظيما فى فيلم الفرح و اغرقنا ف الدراما و الماساة و ادّى ذات الشخصية تقريبا مع اختلاف بعض التفاصيل فى "تيتة رهيبة " غير انه اغرقنا فى الضحك حتى الاستلقاء بلا مبالغة ولا صخب .."مسا مسا يا رؤوف"! و نعود لبعد الموقعة و الذى كان حالة ..غريبة..لكنها قريبة للقلب و لاحساس النتلقى بشكل واضح . حالة جمعت بين التسجيلى و الروائى فى حرفية عالية . فهو يتناول مشهدا جانبيا من الثورة . مشهد غفل عنه الكثيرون لانه كان بعيدا عن صخب المشهد الرئيسى . مشهد معاناة بعض ممن أسموهم بالفلول او دعاة الاستقرار او حزب الكنبة او اى من تلك التيكتات الجاهزة للصق على جبين اى ممن يعارضوك . دعونا نتحدث فنيا . فالكثيرون ممن بدأوا "النحت" و السبوبة " متمسحين فى اذيال الحدث العظيم ..اهتموا فقط و تكالبوا على الخطوط العريضة ..العريضة جدا .. الميدان , المليونيات,.شباب الثورة الامّور , مظاهرات الجامعات و الحزب الوطنى و دمتم ..و غالبا ما جاءت موقعة الجمل بشكل ارشيفى يشحن ضد فاعليها بدون ان نعرف من هم فاعلوها ... الحقيقيين ! لم يلتفت أحد صناع هذه الاعمال للالوان الاخرى ..الالوان الثانوية المكونة لجنبات المشهد الكبير . مع ان المهمشين و العشوائيات و المسحوبون وراء القرش هم ملح هذه الارض و ألوانها الطبيعية . أحببت فكرة الفيلم التى صاغها عمرو شامة بالاشتراك مع صاحب الليلة يسرى نصر الله للغاية قيل حتى ان اشاهد الفيلم .و حينما شاهدته وقعت فى غرام تفاصيلها المدروسة و المشغول عليها جدا . لكنه على الرغم من تعدد جهات الانتاج ذات الاسماء الكبيرة الا ان الفيلم انتاجيا جاء عاديا و متوسطا بلا ابهار بصرى او بهرجة انتاخية و ميزانية ضخمة . ربما لأن الحدوتة لا تحتمل ..و ربما لان سوق الصناعة الاخذ فى الانهيار هو ما لا يحتمل !! الا انه و على الرغم من ذلك كان اداء باسم سمرة العبقرى فى دور "محمود البيطار" الخيال الذى تقطّعت به السبل- بعد الثورة و شلل منظومة السياحة من راسها لاخمص قدميها- و كذلك مشاهد يسرى نصر الله الحقيقية دائما أنسى المشاهد بساطة الصورة و عد ابهار الانتاج . فمشهد المونولوج الطويل لباسم مع منة شلبى امام" حائط العزل "- ذو الرمزية الواضحة لانعزال هذه الفئة و تهميشها بمنتهى القسوة – هو مشهد مصرى باداء عالمى . كان من الممكن ان يبدو طويلا و مملا بعض الشيىء الا ان باسم صنع منه "فردية" رائعة و ثرية للغاية . احببت عائلة "محمود البيطار" جدا .. ناهد السباعى ممثلة موهوبة و عاشقة لما تفعل و الطفلان الذى اختارهما المخرج ليقوما بدور ابنىّ محمود و الذى تصدر احدهما الافيش كانا بحق اختيارا صائبا و حقيقيا . منة شلبى: لم تهتم كثيرا بالعمل على دورها ..جاء مظهرها مناسبا و حقيقيا الا ان مضمون الشخصية جاء مهتزا بعض الشيىء بل انها اعطتنى انطباع فى بعض المشاهد انها ليست على اقتناع تام بما تقول . و بمناسبة القناعات لى ملاحظة واحدة على السيناريو الذى حصر الثوار فى فئة اليسارين ذوى المظهر البوهيمى و البيرة و العلاقات المتحررة . كان قد كسر هذا قلبلا مشهد عجوز الميدان الداعى الى ان الثورة "قائمة ..قائمة..و هانغير النظام و برضه قائمة" و كذلك ادخال بعض شخصيات نزلة السمان البسيطة كشخوص ثورية الا ان التركيز الاكبر كان على تقديم "ريم " منة شلبى و اصدقاءها كرمز لفئة الثوار . و كمجمل عام استطيع ان اقول بان الفيلم كعمل فنى- بعيدا عن اى جدل سياسى عافانى الله منه و له الحمد منذ ما يربو على العام الان – هو عمل يستحق المشاهدة لانه يحمل سينما الحالة التى يندر ما توجد فى مصر و كذلك يحمل الكثير من الانسانيات الغائبة وسط حمم السياسة و الاستسهال و "الازدراء" النتقاذفة من كل مكان . ملحوظة على جنب : اتقن باسم لهجة النزلة التى تميل الى لكنة الفلاحين قليلا بلا مبالغة و ده العادى بتاعه .. لكن ان يهتف فى المسيرة "عيش ..حرية ..كرامة "و انسانية" بدلا من "كرامة انسانية كما ينطقها الثوار" فى رمزية شديدة التميز لبساطة هذه الشخصية لغة ً و تعليما ً ..فهو اتقان لا محدود ..و عدّى كل الحدود الصراحة !