عندما فكر أينشتاين في نظرية النسبية، لم يكن مخطئ تماماً، هكذا فكرت بعدما شاهدت فيلم Little Children، فالفيلم قائم على هذه النظرية، ما قد اراه أنا شاذ أو مُنحرف، قد تراه أنت طبيعي ومعتدل، لكن في النهاية عليك حتي بـتقبل هذا الشاذ والمنحرف من وجهة نظرك لأنه في النهاية يتقبلك أنت أيضاً مثلما تكون.
أراد المخرج تود فيلد أن يقول أننا جميعاً شواذ فـحتي المثالية هي في نهاية الامر شذوذ، لأن الله خلقنا غير مكتملين، خطائين، ليمنحنا فرصة العودة للصواب والاعتذار منه، فلماذا إذاً نُعلق المشانق لغيرنا بالاحتكام إلي المثالية الزائفة. الفيلم يتناول حياة قرية هادئة ينتابها الذعر عندما يتم الإفراج المشروط عن شخص اعتدي جنسياً على اطفال في القرية، وهو ما يجعل أهلها مُتحفزين تماماً ضده، رافضين منحه فرصة ثانية، ويصل الأمر حد معاملته كجرثومة يجب الابتعاد عنها، لكن أحداً منهم لم يفكر ما إذا كان هو الأخر جرثومة يجب الابتعاد عنه أو هل يراه شخص أخر كذلك على الأقل، يبدأ الفيلم في تتبع عدد من الحكايات لأشخاص في هذه القرية أو الضاحية، ربما لا يقلون شذوذاً عن هذا الذي تم سجنه، الفرق الوحيد يكمن في قدرتهم على الاختباء والانصهار في مجتمعهم بواجهات مُشرفة، لكنها في حقيقة الأمر تُخالف كثيراً الواقع الحقيقي لشخصياتهم، الفيلم لا يدين، يُظهر وفقط شرائح مختلفة لأخطاء قد تقع الشخصيات فيها سواء عن رغبة منها، أو اضطرار، أو حتى عدم قدرة على مواجهة الخطأ والرغبة في الوقوع فيه، فمن سارة التي تكتشف أن زوجها يحاول إشباع احتياجاته عبر فتاة تعري على الانترنت، وربما حاول المُخرج تبرير ذلك بالملل الذي تسرب لحياته الأسرية، وربما لاحظنا أن الملل كان موجود من بداية علاقته بـسارا من اﻷساس، نعود مرة ثانية لسارة التي تقرر ربما مواجهة خطأ زوجها بخطأ أخر كانت تحاول كبح جماح رغبتها من الوقوع فيه، إلي برات الزوج الذي يتبادل الأدوار مع زوجته، فـيتنازل عن كثير من مميزات الزوج، والذي يضطره إهمال زوجته له إلى خيانتها، الغريب أننا نتعاطف مع سارا وبرات وفي المُقابل نشعور من النفور من شركائهما في الحياة الزوجية ! وكأن المُخرج حاول توريطنا نحن أيضاً في قضيته كوننا نتعاطف معهما رغم خيانتهما لشركائهما، أقول شركائهما لأن حياتهم الزوجية بدت هكذا، كـشراكة وليس زواج بمفهومه الطبيعي، ثم من قصة سارا وبرات إلى قصة المنحرف الذي تخشاه القرية كلها، والذي جسده في الفيلم الممُثل جاك إيرل هارلي، واستطاع بأدائه اقتناص ترشيح لجائزة الأوسكار كأفضل ممُثل في دور مُساعد.
في الحقيقة لن استمر في سرد تفاصيل وحكايات الفيلم، أُفضل أن تُشاهدها بنفسك فلا أفضل من مُعايشة الأمر بشكل شخصي، خاصةً مع قدرة تود العظيمة في نقل تفاصيل من الحياة الأمريكية ربما لا تراها كثيراً، في أفلام أخرى، وهو ما فعله من قبله سام ميندز في فيلم الجمال الأمريكي.
الفيلم في مُجمله جميل، من ذلك النوع الذي تُفضل مُشاهدته بشكل دوري، تجد تفاصيله معك في حياتك اليومية والأهم أنه يؤسس لمعنى عميق، يضعط على يد كل مُشاهد ويقول له انت انسان، أرجوك احتفظ بإنسانيتك، والأهم أنني على الأقل قد خرجت منه بتفصيلة مهمة للغاية، تفرق معى بشكل شخصي، وهي أنه ليس معنى أن شخص ما ارتكب إثم ما، أن يوسم به لبقية حياته، الصفة الإنسانية تستحق منك أن تمنح الأخرين فُرص أخرى دوماً.