الحريف .. بين الألم والأمل فى الحارة المصرية

" الحريف " يعتبر واحدة من اهم الأفلام التى قدمت فى فترة الثمنينات بل وفى مسيرة " محمد خان " و " عادل امام " فى فترة اشتهرت بأفلام المقاولات والرخص والأسفاف حيث قدم لنا الحريف " محمد خان " لوحة فنية رسمها معه المبدع " بشير الديك " وجسدها الزعيم " عادل امام " واخرجها " خان " ليقدم لنا فيلما متكاملا يصلح لأى فترة من تاريخ مصر ويجسد المعاناة المصرية فى حياة شخصيات بسيطة من واقع المجتمع .

" فيه ناس بتلعب كوره فى الشارع وناس بتمشى تغنى تاخد صورة فى الشارع فى ناس بتضرب بعض تقتل بعض فى الشارع فيه ناس تنام ع الأرض فى الشارع وناس تبيع العرض فى الشارع وفى الشارع اخطاء كتير صبحت صحيحة لكن صحيح حتكون فضيحة لو يوم نسينا وبوسنا بعض في الشارع . " ... " أمينة جاهين " .. هكذا افتتح لنا خان فيلمه " الحريف " قاصدا الشارع بحد ذاته فهو موطن البساطة والأحلام والقسوة والألم والأمل .. يجمع الفقير والغنى والقوى والضعيف .. شارع يجسد الوطن والواقع من حولنا فكما قيل من قبل " فى الشوارع حواديت " .

تدور احداث الفيلم حول " فارس " الذى يعمل بمصانع الأحذية ويعيش حياة فقيرة وبسيطة بغرفة على سطح احد المنازل مع زوجتة و ابنه والتى لم تطق المعيشة معه بسبب غرامه بالكرة " الشراب " واللعب فى الحوارى والساحات الشعبية مقابل المراهنات التى يتحصل عليها , ولكنه كأى شاب مصرى يعانى من الفقر الأجتماعى والمعنوى .

قصة الفيلم فى رأى هى محاكاة للواقع المصرى وتجسيد لمعاناة الشباب التائه والضائع والذى يبحث دائما عن فرصة للرزق والحياة الأفضل .. لا جدال ان " خان " و " الديك " ابدعا فى كتابة سيناريو واحداث الفيلم حيث قدموا فيلما يصلح لكل الفترات التى مرت وتمر بها مصر خاصة جيل الشباب الذى يعانى كثيرا بين البطالة وقلة فرص العمل وضياع قطر الزواج ثم قطر العمر , ففى كل شخصية حكاية وحودته رأيتها وسأظل اراها دائما .

لم يقدم " خان " قصه مميزة فقط بل قدم ادائا اخراجيا اعتبره ضمن قائمة افضل الأفلام من الناحية الأخراجية فى تاريخ السينما المصرية فقد كنت اشعر اننى اشاهد احدى افلام الثمنينات الأمريكية للمخرج " مارتن سكورسيزى " الذى كان يقدم واقعا امريكيا مشابها فى بعض الأفلام مثل " سائق التاكسى " للنجم " روبرت دى نيرو " فقد كان " عادل امام " .. " دى نيرو " اخر بالفيلم استطاع ان يكون ثنائى قوى مع " خان " جسد الحارة المصرية والواقعية البائسة , من ضمن عوامل النجاح " الخانية " هى اتقانه الشديد فى اختيار الأماكن اللازمه لتصوير الفيلم فلم يستعن بأى مصممى ديكور او تصاميم بل نقل لنا الواقع المصرى دون اى تزيف او محاكاة قدم لنا صورا لن تنسى من الشوارع البائسه والحوارى الحزينة المليئة بالناس البسطاء وحولهم القمامة والبيوت المتهالكة فى عيون الناس الأمل والصبر والفرح بأبسط الأشياء وفى عيونهم الأمل واليأس وفقدان الذات , بالأضافة الى الخلفية الموسيقية العذبه والمناسبة لأجواء الفيلم واجواء الحارة والشوارع المصرية كانت كلها عوامل أدت الى خروج الفيلم فى احسن صورة .

قدم " امام " واحدة من افضل الأفلام فى مسيرتة الفنية فقد استطاع تجسيد الدور كما ينبغى بل اكاد اجزم ان اى ممثل اخر اذا قدم هذه الشخصية لن تكون بالحرفية والأتقان التى قدمها " الزعيم " وهذا دليل على العبقرية الخانية فى اختيار الممثل المناسب لبطولة افلامه فقد اثبت " الزعيم " انه ممثل لديه كل المقومات قادر على اداء كل الأدوار لا يقتصر فقط على الكوميديا فقد قدم دورا دراميا راقيا تبعه مسيرة درامية للزعيم فى افلام اخرى مثل " المشبوه " و " اللعب مع الكبار و " الأرهابى " فبنظرات بسيطة من " فارس " يمكنك ان تشعر وتفهم ما يريد ان يقوله وما يجسده فقد كانت الشخصية تجسيدا للأمل والألم , كذلك قدمت " فردوس عبد الحميد " دورا مميزا فى شخصية "دلال " التى تعانى من الفقر وزوجها فتخرج ما بداخلها على الطفل الصغير خوفا من ان يصبح ضائعا مثل والده , " عبد الله فرغلى " قدم ايضا دورا مميزا بشخصية المراهن التى يعرفها اى شخص عاش بفترة الكرة الشراب وما يشبها فى السبعينات والثمنينات , من ضمن الشخصيات المميزة بالفيلم هى شخصية المريض النفسى " عبد الله " والتى قدمها الفنان الراحل " نجاح الموجى " بشخصية الرجل الذى فقد عقله والقاتل الذى قطعت به سبل الحياة فى غرفه منسية فوق السطح فقد صوابه وخسر حياته .

الفيلم قدم لنا لوحا فنية فى العديد من المشاهد المؤثرة كمشهد دفع السيارة من قبل " فارس " و " عبد الله " فمن بساطة المشهد ونظرات " عبد الله " ترى الألم والمعاناة متجسدة امامك , كذلك مشهد انتحار " عبد الله " كان من المشاهد المؤثرة فهى فى حد ذاتها حاله تتكرر يوميا بين صفوف الشباب .. المشهد الختامى كان رائعا وجسد الألم والأمل فى مشهد واحد فقد كانت الكرة ولازلت هى احدى مداخل الفرح عند البسطاء فالبرغم من المعاناه التى نعيشها يوميا من الممكن ان تجمعنا الرياضة لتخفف عنا ولذلك كان مشهد ختامى ابداعى من قبل خان ورفاقه .. جسد المشهد مباراة الوداع التى ينهى بها " فارس " اللعب ويبدء حياة اخرى من الجد والأمل فبالرغم من تقدم " فارس " بالسن الا انه ظل متمسك بحلمه حتى النهاية ليؤكد لنفسه ان العوامل المحيطة به من فقر وظروف وتقدم بالسن لن تهزمه وسيصابر ويحاول حتى يصل الى هدفه لكى يختم لنا خان الفيلم بحوار بين الأب والأبن .. " خلاص يابا مش هتلعب تانى كورة صحيح ؟ - خلاص زمن اللعب انتهى " .

فيلما يستحق الدخول بقائمة افضل الأفلام فى تاريخ السينما المصرية واهم الأفلام التى قدمها " عادل امام " .. خان يثبت دائما انه مخرج موهوب ومبدع قدم لنا قصة من الشارع المصرى البسيط نقلها بجمل حوارية رائعة ونظرات تتحدث بين ابطال العمل .. فيلم يستحق المشاهدة استحق النجاح على صعيد الجوائز ودور العرض .