دائما الأفلام التى تجذبنى لمشاهدتها هى الأفلام التى تتسم بالقصة المعقدة والمشاهد المبهمة والتى تجعل المشاهد دائما فى حيرة شديد وتشوق لمعرفة ما ستؤل له الأحداث حتى نصل الى لحظة النهاية او التنوير وهى اللحظة التى يوضح لنا الكاتب الكثير من الأشياء والألغاز التى حيرتنا بالفيلم .
" The Double " ربما يكون واحدة من تلك الأفلام المعقدة والغير مفهومة والتى تحتاج الى المشاهدة اكثر من مرة حتى تعى بأشياء كثيرة بالفيلم وتفهم المغزى والمضمون من بعض الجمل الحوارية والمشاهد وهو ما حاول جاهدا " ريتشارد ايواد " فى تقديمه ولكن يا هل ترى نجح فى ذلك ؟ .
تدور احداث الفيلم حول شخصية " سايمون جيمس " وهو الفتى الخجول المجتهد الذى يسعى دائما الى مقابلة مديره الذى لا يراه احد ولكن تتأخر الفرصة كثيرا فالبعض يعتبره مجرد نكره ليس له وجود حتى الفتاة الوحيدة التى يحبها " هانا " لا تراه من الأساس , حتى يظهر شبيهه فى كل شيء " جيمس سايمون " والذى يعد نقيضه فى كل شيء فهو محبوب من الجميع واكثر اجتماعية فى علاقتة كما انه يتمتع بمكانة عالية بالعمل ويمكنه مقابلة المدير وبكل سهوله ولكنه اقل ذكائا وجهدا من " سايمون " لذلك يلجيء اليه " جيمس " لكى ينجز له اعماله بدلا منه .
مضمون القصة كان جيدا نوعا ما فهو يناقش موضوعا مميزا يشعر به معظم شباب الجيل الموهوب الذى لم يحصل على اى فرصة بسبب الأهمال من ناحية او فقاعات العالم الأفتراضى الذى نعيش فيه احيانا بسبب الخوف من الفشل او الخجل , فـيظهر " سايمون " طوال احداث الفيلم على انه مجرد نكره ليس له اهمية او وجود فحتى الجميع لم ينتبه بوجود شبه بينه و بين " جيمس " فهو بالنسبه لهم غير مرئى ليس له شخصيه او فائدة بل وحتى " هانا " وقعت فى حب " جيمس " على الرغم من انه لا يفرق اى شيء من الناحية الشكلية عن " سايمون " , وهنا يأتى مفهوم التمرد الداخلى لدى اي شخص يحاول اثبات ذاته ويشعر انه ان غيره يأخذ مكانه لا يستحقها .
وكما قلت مسبقا عن لحظة التنوير التى تنتظرها بأى فيلم من هذه النوعية تأتى النهاية اكثر غموضا تكاد لا تفهمها من البداية فتحتاج ان تعيدها مرارا وتكرارا حتى تصل الى المضمون , فحينما يكتشف " سايمون " الرابط القوى بينه وبين " جيمس " وان اى شيء يصيبه سيصيب " جيمس " بالضرورة يقرر اخيرا استخدام ذكائة فى القضاء على " جيمس " عن طريق الأنتحار بأسلوب يسهل على رجال الأسعاف انقاذه وهنا يذهب المسعفون لأنقاذ " سايمون " ويبقي " جيمس " وحيدا بدون اى انقاذ فيموت , مشهد النهاية حمل نظريات عديدة فالبعض ذهب الا ان القتل ليس حلا لكى نحصل على فرصة والبعض نظر الى الموضوع نظرة اكثر عمقا بأن " سايمون " صحح المسار فقط ووضع الأمور في نصابها والبعض الأخر اعتقد ان " سايمون " و " جيمس " بالنهاية كانوا شخصا واحدا متمسكين بنظرية ان الشيء الوحيد الذى قد يجعلك نكرة هو انت فالخوف من الفشل او عدم الأختلاط سيجعل غيرك من من لا يستحقون يحصلون على مكانتك بالمجتمع والعمل , وربنا هى نظريات مختلفة تحتمل جميعا الصواب .
من ضمن اكثر المشاهد التى نالت اعجابى هو مشهد " سايمون " التمردى الذى اعلن فيها انه من كان دائما ينجز اعمال " جيمس " وانه الأكثر كفائه وعندما وقف الجميع امامه كأى شاب ببداياته قد يقابله موقف مشابه صرخ قائلا " انا موجود " وهو مشهد موفق من الكاتب وضع خطوطا عريضه تحت مضمون الفيلم .
على الناحية التمثيلية تفوق الممثل الشاب " جيسى ايزنبيرج " كالعادة على نفسه مقدما شخصية ونقيضها بحرفية شديدة فيقنعك بــ " سايمون " الشاب الخجول المنغلق والمهدور حقه ويقنعك بــ " جيمس " الشاب الطائش المحبوب من قبل الفتيات سارق مجهودات الأخرين , كذلك قدمت " ميا فاشيكوفسكا " فى شخصية " هانا " دورا مميزا وكان اختيار ملائم من فريق الكاستينج , اما على الصعيد الأخراجى فقد قدم لنا " ريتشارد ايواد " عملا مميزا ومعقدا من الناحية الأخراجية من خلال التنقل بين المشاهد مسرعا بمساعدة بناء موسيقى مميز .
وهنا نعود الى المجمل هل الفيلم قدم لنا وجبه معقدة كأفلام " Mr Nobody " و " Cloud Atlas " و " Fight Club " مثلا ؟ الأجابة ربما قدم لنا فيلما معقدا لا بأس به ولكننى شعرت احيانا ببعض الثغرات فى القصة بشكل فعام فشعرت ان القصة لم تكن تحتاج الى كل هذا التعقيد والغموض الذى قدمه " ريتشارد ايواد " عن فكرة الوجودية فهى فكرة لا اتذكر انها قدمت كثيرا على الشاشة لماذا كل هذا التعقيد الذى جعل البعض ينأى عن مشاهدة الفيلم , فى بعض الأحيان شعرت ان " ريتشارد " استخدم الغموض بالفيلم من اجل الغموض فقط ومن اجل جذب الأنتباه للفيلم , كذلك النهاية كان من الممكن تقديمها بصورة افضل من ذلك وعدم التعجل بفقد جاءت مبهمة بصورة كبيرة لن يفهمها الجميع بالصورة التى يريد " ايواد " ايصالها .
بالنهاية عمل جيد يحتاج الى الكثير من الدقة والتركيز للوعى بمضمونة , اذا لم تكن من هواة افلام العمق والغموض والأبهام فلا انصحك بهذا الفيلم اما اذا كنت من محبى هذه النوعية مثلى فربما يقدم لك " The Double " ساعة ونصف من الضياع .