البداية كانت ساخنة جدا فهناك شخص يجيد خداع الجميع ويعرف من أين يتسلل لنقاط ضعفهم.. وهو طبقا لعلم الجريمة مجرم.. لكنه لا يسيل الدماء وإن كان يؤدي إلى غليانها في العروق..!!
وقد رسم الكاتب محمد الحناوي شخصياته بدقة يُحسد عليها.. لكنه من وجهة نظري أخفق في مناطق قليلة لا تؤثر على المجمل العام للمسلسل لكنها تُبقي لنا تساؤل مشروع وهو كيف ينفذ آدم مفاجأته.. فمثلا قبيل انتهاء أحداث المسلسل دخل آدم صومعة الإخوان فجأة واختفى فجأة من بين يد حراسة مشددة للإخوان وشرطة هاجمت المكان ولم يفسر لنا كيف حدث هذا..؟؟
لكن ما أوضحه السيناريو أن آدم شخص شديد الذكاء يعرف كيف يَعْبُر للآخرين من ثغرات لم يهتموا بها بينما لا يترك لغيره ثغرات يصلون هم بها له.. كما أنه شخصية تجيد التلون والتخفي وهو ما برع في أداءه الفنان خالد الصاوي.. وكأنه لم يقدم دورا واحدا في هذا العمل ولكنها عدة أدوار في دور واحد.. وكان في كل حالة معبر عنها بدقة متناهية.. فهو حين يكون الشيخ رضوان فهو التقي الورع وحين يكون خواجة فهو خواجة ألعوبان وحين يكون صعيدي فهو صعيدي غلبان لكن به مكر واضح.. وهكذا في كل شخصية وكأن آدم يجيد مذاكرة كل شخصية جيدا قبل أن يتقمصها.. وهو نوع نادر من الإجرام ربما يعرفه الغرب أكثر منا لكنه ربما يكون موجود بمصر فعلاً.. فمصائب الفاسدين بها من الخفايا ما إن كشف جزء منها فهم يسارعون بإخفاء كل الحقيقة للحرص على سمعتهم.. لتبقى مصائبهم ملعب مفتوح لمن هم في مثل دهاء آدم..!!
ولذلك كان آدم المجرم الإنسان الذي لا يريق الدماء لكنه ينتقم من كل الفاسدين حتى نعلم في النهاية أنه كان ينتقم في الأساس للمرأة المظلومة من المجتمع بدوافع نفسية مما حدث لأمه الذي ظن بها السوء وهو لا يعلم كيف دفعتها الظروف للسير في طريق لم تختاره.. فكانت هي التفاحة التي يرمز بها لنفسه لكنه لم يأكلها وجعل من رمزيتها سببا في لهاث الكثيرين خلفه.. دون النجاح في الوصول له..!! ، حتى جاءت لحظة التحول الكبرى في حياته بلقاء شخصية فاطمة.. وهي الشخصية الأجمل في المسلسل إذ تعرف عنه حقيقته فتزداد حبا له .. وتظل تسعى خلفه كأنها لا تخشى سمه بل على حد تعبيرها كأنها هي من ستكسر سمه وقد كان ليصبح الحب هو مطهر القلوب من الآثام
أما عن بقية الشخصيات فالسيناريو اهتم بكل الشخصيات بشكل متميز وكل شخصية أخذت حقها بما يكفيها في حدود مكانها الطبيعي.. وإن أهدر في بعض الأحيان حق شخصية توحة والدة آدم في إظهار جوانب حياتها بشكلها الجديد ومحاولة نسيان الماضي.. أو قلل السيناريو من ظهورها.. كما لم يمنحنا الكثير من خلفية شخصية الحاج شوقي الرجل نادر الوجود والذي يسبح ضد التيار.. لكن كلا الشخصيتين برع في أدائها كلا من الفنان سامي العدل والفنانة هياتم التي ربما أبكت الكثيرين في لحظة لقائها بابنها بعد طول فراق عندما ذهب بها الحاج شوقي إلى حيث بيت آدم.. وإن أخفى عنا السيناريو أيضا كيف عرف الحاج شوقي مكان آدم الجديد..؟؟ والحال نفسه ينطبق على اللواء شريف سرايا حين وصل له فجأة بعد تجمع أسرة آدم..؟؟
كذلك أخفق السيناريو في توضيح كيف أصيبت مريم ابنة شريف سرايا في حادث اقتحام منزل الشيخة صباح حيث انتهت الحلقة بإصابة آدم وهو في ثوب الشيخ رضوان وبدأت التالية بإصابة مريم وهي بالداخل بينما الانفجار كان بالخارج ، أما عن شخصية شريف سرايا نفسه فهو أيضا من الشخصيات نادرة الوجود وكأن المسلسل يبحث في عالم النادرين.. فهو ضابط شريف للحد الذي يجعله لا يبالي بفتح ملفات زملائه الفاسدين والإيقاع بهم إن لزم الأمر كما حدث مع الضابط الذي سلم نفسه للإخوان..!! وهو بين نارين يعمل مطاردا مجرم شديد الذكاء ويعاني في الوقت ذاته من ألم مقتل ابنه وغياب زوجته حزنا على فقدان ابنيهما
لكن المسلسل في الوقت ذاته قدم الفاسدين بأشكال مختلفة بدءا من عادل ياسين الضابط الفاسد الذي هو سبب عقدة آدم.. مرورا بصاحب القناة الفضائية صاحب الملايين التي تختفي بعضها تحت السرير..!! والذي أجاد الفنان سامي مغاوري أداءه بصوره جعلتنا نبغضه .. ثم وصولا لمديرة المستشفى الحكومي التي تجيد استغلال الظروف وتعرف من أين تأكل الكتف.. وهو الدور الذي أدته الفنانة نهى العمروسي بإجادة شديدة ومتميزة.. بل طوعت ملامحها لأداء الدور فكانت عيناها تنطق بالدهاء والمكر ذي الحذر من الجميع..
كما قدم لنا المسلسل صورة الجهل الديني بشكل شديد التميز وكيف برع النصابون باسم الدين من استغلال جهل الناس فبرعت الفنانة حنان سليمان في أداء شخصية الشيخة صباح وأجادت التلون ما بين إثبات الإجرام أمام آدم واثبات الخشوع أمام مريديها.. ومريدي الشيخ رضوان المزعوم..
وفي المقابل كانت شخصيات الإخوان مفضوحة منذ الوهلة الأولى وكيف ظهر تناقضهم بين إظهار كونهم متدينين أمام الناس ثم كيف هم بشرور الدنيا كلها فيما بينهم وبين أنفسهم.. وكيف هم شديدي الضعف أمام شهواتهم..
والحال نفسه كان جليا في شخصيات المنطقة السكنية التي كانت تقطن بها (توحة) والذين هم من المفترض من معشر السلفيين الذين يريدون تطبيق (وهم) جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
والمسلسل في المجمل العام أظهر لنا كيف أنحدر المجتمع في سلوكياته بشكل عام وكيف وصل لقمة القبح في كل شيء وكيف استغل النصابين تلك الحالة فصار كل شخص يستغل موقعه بما ينفعه هو ولو على حساب الآخرين وفي كل مجال سواء الإعلام أو الشرطة أو من يدعون أنهم دعاة إسلاميين وهم في الأساس مجرمين وكيف خُدع الناس وربما لا يزالون يُخدعون في كل من يتحدث باسم الدين كما يحدث الآن فصار الكثيرين يرفضون الإخوان لكنهم يقبلون بالسلفيين وكأننا لا يمكن أن نأخذ ديننا إلا من النصابين والمخادعين.. والتائبين عن الإجرام بإطلاق لحاهم..
ومع ذلك أبقى لنا الأمل في التغير فتاب الخواجة بعد توبة هويدا تلك الشخصية التي انقلبت من النقيض للنقيض في لحظة روحانية مست قلبها وسط حالة من الخداع الديني في الأساس والتي أجادت الفنانة ريهام عبد الغفور تأديتها ببراعة تحسب لها..
ولا شك أن الإخراج كان متميزاً في التعبير عن الصورة التي رسمها السيناريو بدقة وجعلنا نلهث خلف الإيقاع السريع للأحداث ولكنه بخل علينا باستعادة أخر مشهد من كل حلقة عند بداية الحلقة الجديدة.. كما كانت بعض المشاهد بها إظلام مفرط فلم نتعرف على الشخصيات إلا من صوتها..
كذلك أبدع محمد الحناوي في نسج خيوط الحدوتة بما لا يجعلها تتشابك بل تتلامس فتبهرنا وتأثرنا لانتظار باقي الأحداث وإن بدا لي الحناوي متأثرا نسبيا في بعض الأحيان بشخصية أدهم صبري في سلسلة رجل المستحيل التي أبدعها الكاتب الكبير د.نبيل فاروق.. حيث كان آدم يفاجئنا بمفاجآت عجيبة كالتي كان يأتيها أدهم صبري في مغامراته..