على وجه التأكيد، يبدأ غالبية من يحاولون الكتابة نقديًا عن فيلم "أسوار القمر" بالحديث أولًا عن المشاكل الإنتاجية التي واجهته، والتي أدت لتأجيل طرحه في الصالات السينمائية في مصر مرات عديدة لبضعة سنوات، لكننا سنضرب صفحًا عن الخوض في ذلك الأمر، لأنه موضوع قد يكون جيدًا بالنسبة للتقارير الصحافية وليس للمقالات النقدية، كما أن موضع اهتمامنا في المقام الأول والأخير هو تقييم العمل نفسه كمنتج نهائي، وليس كمنتج في طور الصناعة والتشكل.
يحاول الفيلم منذ البداية أن يتخير لنفسه تصنيف سينمائي ربما يكون غير مطروق بكثرة في السينما المصرية، وربما يعود ذلك لفرط كلاسيكيته خاصة لرواجه في السينما الأمريكية في حقبة الأربعينات، وهو الإثارة الرومانسية Romantic Thriller، التصنيف الذي يعتمد في أساسه على المزاوجة بين كل من الرومانسية والتشويق، سواء كان الأساس في التقديم الدرامي هو قصة حب تنطوي على مجموعة من عناصر الغموض، أو حكاية غامضة تحتوي على علاقة حب في ثناياها.
في البداية، قد يكون عدم إلقاء الرهان كاملًا على تقديم مثلث حب جديد هو أمر حاذق من قبل الكاتب محمد حفظي، وذلك بسبب قلة التنويعات التي يمكن بها تقديم مثلث الحب سوى بالركون إلى أكبر قدر ممكن من التفاصيل التي تدعم من خصوصيته، فكان الحل هنا هو تقديم مثلث الحب من خلال قصة غامضة تعتمد بأكبر قدر ممكن على مراوغة الذاكرة.
لكن في المقابل، يرمي الفيلم أيضًا الكثير من ثقله على المفاجأة الصاعقة التي تحملها نهاية الفيلم، وفي سبيل ذلك، يجعل كل عناصر الفيلم، بما فيها أبطال القصة، مجرد وسائل لتعزيز المفاجأة فقط بدون وجود هدف آخر يخدم القصة أو يخدم تطورها الدرامي، كل شيء يخدم الذروة فقط، والحقيقة أن الفيلم قد ينجح في قلب موازين التوقعات لدى المشاهد للوهلة الأولى، لكن بعد الانتهاء من المشاهدة ستذهب السكرة لاحقًا وتأتي الفكرة، ويزول أثر المفاجأة سريعًا.
وفي مقابل الجوانب المختلفة التي تحفل بها شخصية زينة "منى زكي" حتى مع حقيقة أن السيناريو لا يترك فرصة لمشاهده لكي يحاول استكشاف هذه الجوانب بنفسه بدلًا من إملائها على المشاهد كعادة الأفلام المصرية، فإن شخصيتي الحبيبن المتنازعين أحمد ورشيد "آسر ياسين وعمرو سعد" مكتوبتان بأكبر قدر من التنميط، حتى أنه لن يصعب ملاحظة أيهما الحبيب الطيب وأيهما الحبيب الشرير.
ويبدو أن منى زكي كانت في أمس الحاجة لشخصية مثل شخصية "زينة" من أجل محاولة الخروج من الأطر المعتادة التي تجد نفسها فيها دومًا، وفي سبيل العثور على ما هو أفضل قليلًا من المتاح المكرر لكي تحاول تقديم جوانب مختلفة وغير مطروقة في مشوارها مع التمثيل، وهى في ذلك تجتهد بشدة أدائيًا، بل وتنجح كذلك في الوصول لمبتغاها، وكذلك الحال مع آسر وعمرو اللذان يعوضان على نحو كبير بأداءاتهما التمثيلية عن التنميط الكبير الذي به شخصياتهما على الورق.
هذا الفيلم بكل تأكيد سيكون مفاجأة سارة لشريحة كبيرة من المشاهدين لمن يبحثون عن حدوتة مليئة بالمناورات الدرامية والحوارات الرومانسية ذات الكلمات الأنيقة والمنمقة على غرار ما تكتبه الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي في أعمالها الروائية، لكن لمن سيبحث عما هو أكثر، فأعتقد أنه لن يروقه ما سيشاهده.