من المعروف أن كتابة قصص (الخيال، والرعب) هو نوع من الكتابة مفتقد بشدة في مصر، وأن الأفكار التي تدور في ذلك المجال تتطلب جراءة ومقدرة فنية خاصة، بالإضافة إلى ميزاينة وإنتاج ضخم، وتقنيات حديثة عالية؛ تتطلب معها خدع بصرية وصوتية ﻹقناع المشاهد بها، ومن البديهي أن الدراما المصرية لديها فقر إنتاجي كبير في ذلك الحقل؛ ويرجع ذلك للأسباب السابقة بجانب الفقر أيضا في مجال الكتابة حيث يتطلب ذلك خيال واسع من المؤلف وملكة فنية معينة وبالنظر لعدد الأعمال الفنية المصرية التي دارت في هذا الإطار، وقدمت على مدار الأعوام السابقة، أو في تاريخ السينما المصرية فإنها لا تتعدى الـ 10 أعمال فنية إذا ركزنا على الأعمال التي حققت بالفعل نجاح ولاقت تقييم فني وجماهيري بشكل إيجابي، يذكر منها أفلام مثل (سفير جهنم عام 1945، وفيلم الإنس والجن، واستغاثة من عالم آخر عام 1985، والتعويذة، وغيرها من الأعمال التي تحصى على أصابع اليد
ليأتي مسلسل "ساحرة الجنوب" ومعه عبارة "أول مسلسل رعب مصري" ودعاية فنية واسعة ليضاف إلى قائمة الأعمال الدرامية التي تدور في إطار الرعب. وعرضه بشكل حصري على قنوات مشفرة ثم عرضه على قنوات أم بي سي ، وأم بي سي مصر مع تنبوءات، وتفاؤل بتحقيق إصداءات إيجابية، ونسب مشاهدة عالية ولكن هل حقق المسلسل بالفعل هذا بعد عرض الجزء الأول منه !!! ؟
على الرغم من كم الانتقادات التي وجهت لمسلسل "ساحرة الجنوب" مؤخرا ، وما لاقاه من تعليقات ساخرة، وتهكم شديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي لوصف المسلسل بأنه أول دراما تلفزيونية مرعبة، وأن الشركة المنتجة تحذر المشاهدين من مشاهدة الأطفال لحلقاته فمازال المخرج "أكرم فريد" يخرج معلنا عن تصوير جزء ثالث من المسلسل، مؤكدا رغم كل هذا عبر صفحته الشخصية بالفيسبوك أنه يرى أن المسلسل سيحقق أعلى مشاهدة، وأن المممثلة "حورية فرغلي" تمكنت ببراعة وحرفية شديدة من تقديم الشخصية الرئيسية بالعمل حيث يتناول المسلسل قصة حياة فتاة من الصعيد تُدعى روح (حورية فرغلي) تسيطر عليها روح شريرة، وتتمكن منها بعد سقوطها وهي طفلة داخل مقبرة أحد الدجالين، فتبدأ حياة روح في التغيير شيئا فشيء، حتى تكتشف قدرتها على تحريك الأشياء وحرقها، وامتلاكها لقدرات خارقة غريبة
وإذا جرت العادة على تقديم إيجابيات أي عمل فني أولا قبل السرد في سلبياته، كنوع من التقدير والاحترام للمجهود الذي بذل في إخراج العمل إلى النور فإنني لا أرى أي حسنات تذكر سواء على المستوى الكتابي أو التنفيذي، وبالرغم من محاولات المؤلفة (سماح الحريري) بالزج ببعض القضايا الاجتماعية الأخرى، حتى يبدو المسلسل متناولا التصور الاجتماعي لعالم الأرواح والجن، في ظل مجموعة من العلاقات الإنسانية التي يغلفها طابع الطمع والانتقام، بالإضافة إلى خط درامي رومانسي رفيع لقصة حب تنشأ بين البطلة والبطل وطريقة تقبله لذلك، إلا أنها جاءت كلها ضعيفة الحبكات، وافتقد السيناريو فيها إلى تفسير معتقدات الإنسان البسيط لتلك الخرافات، وللمكونات الراسخة في عقول المشاهدين حول تلك المعتقادات، وكانت أغلبها عن غيرة النساء والضرائر والرغبة في إنجاب الذكور وصور الانتهازية وتحقيق الانتقام
وعلى المستوى التنفيذي سواء الإخراجي أو الاداء التمثيلي فأرى أيضا أنها لم تحقق ما انتظره الجمهور من تقديم أول مسلسل رعب على مدار ثلاثون حلقة، بل كان الاستخفاف بعقول الجمهور بشكل مستفز حيث اعتمد أغلبه على مشاهد اشتعال النيران في البيوت، وفتح النوافذ وغلقها، وسقوط الأشياء وصوت الرياح، ونزول الدماء من عين الفتاة روح، مع تكرار للأحداث والمشاهد بشكل كبير وكأنها كلها تدور حول نفسها، بمستوى تكنيكي وإيقاع يدل على جودة تنفيذ معدومة، وزوايا تصويرية سهلة، ومباشرة لم تحقق أي براعة في التأثير وهكذا أداء التمثيلي للممثلة حورية فرغلي الذي جاء باهت، ضعيف وبتعبيرات وجه أقرب إلى الكوميديا، ونظرات أعين وشهقات عبثية ساذجة، لتظهر في بعض المشاهد بصورة مضحكة وأحيانا أخرى بشكل يدعو إلى السخرية وغير قابلة للتصديق
وإذا كان من حق أكرم فريد المغامرة، وتقديم عمل خيالي بشجاعة فمن حقنا التحفظ على ذلك النوع والمطالبة بعدم تقديم أجزاء أخرى من المسلسل بهذا الشكل الهزيل.