بالنسبة لي كـ مشاهد ومحب للسينما لا أريد القول أنني ناقد سينمائي ولا أملك معرفة سينمائية تؤهلني لإصدار أحكام موضوعية لكن هذا حكمي الذاتي المنحاز اللاموضوعي على فيلم "قدرات غير عادية" ، المخرج الاستاذ/دواود عبد السيد بجانب أسماء أخرى كــ الراحل يوسف شاهين ويسري نصر الله يعاني المشاهد لحفنة من أفلامهم - بما فيها هذا الفيلم - من إشكالية كبيرة وهي الرمزية الشديدة وفقر السيناريو أحيانا...صحيح أننا نستطيع أن نقول وبالفم المليان لا تدفع جنيها واحداً في فيلم من أفلام السبكي وضحي بكل ما تملك لتشاهد فيلما هادفاً وغير مبتذل كــ قدرات غير عادية ، لكن المشكلة أن فيلم "قدرات غير عادية" على الرغم مما بذله الممثلون في هذا الفيلم من أداء رائع ولا شك المخرج دوواد عبد السيد أحسن في إختيار المكان الذي تم تصوير فيه الفيلم بالإسكندرية إلا إن الفيلم عانى من فقر شديد في السنياريو وفي الحبكة ، لقد خرج أمامي الناس من صالة العرض وتركوا الفيلم من شدة الملل وللعلم فقد قرأت عن فيلم جنينة الأسماك لــ يسرى نصر الله على الرغم من إنه أعجبني وبشدة إلا أنني شاهدته في منزلي وسمعت من خلال بعض الصحف أن الجمهور أيضا ترك صالة العرض من الملل لأنه ليس فيلما تشاهده وأنت تأكل الفيشار لم أكن أعتقد أن احدا يدفع مبلغا من المال في تذكرة سينمائية يمكن أن يهرب ويترك تذكرته ورائه حتى حدث أن هرب الناس أمامي في فيلم قدرات غير عادية بعد الاستراحة ولم يعودوا أدراجهم ، جمهور السينما المصري بالتحديد لا يدفع تذكرة ليصاب بالضجر والملل بهذا الشكل لكي يحظى برسائل فكرية وسياسية هادفة فقط وإلا أين سحر السينما.
بدون الخوض في أحداث الفيلم بالتفصيل ، تدور أحداث الفيلم حول باحث يبحث عن القدرات الخارقة وغير العادية في البشر يدعى د.يحيى ويلعب دوره الفنان/خالد أبو النجا يفشل بحثه العلمي ليسافر إلى الإسكندرية ويقيم في بنسيون قريب من البحر والمكان الذي تدور فيه الأحداث على ما أعتقد بمنطقة أبوقير وهي من مميزات الفيلم حيث يمكنك أن تمتع نظرك بمشاهدة الأحداث التي تدور أغلبها بالقرب من البحر المتوسط ويتورط في علاقة عاطفية بــ صاحبة البنسيون وتدعى "حياة" تؤدي دورها الفنانة نجلاء بدير- في أداء غير عادي يحسب لها - ويتقرب د. يحيى من نجلتها "فريدة" مريم تامر ويكتشف أنه وجد ما يبحث عنه حيث أن فريدة الفتاة الصغيرة تمتلك قدرات خارقة وغير عادية على تحريك الأشياء عن بعد وقراءة الأفكار وهو جانب واحد من القصة لم يتم إستثماره سينمائيا بصورة جيدة وأهمل لصالح رسالة الفيلم الأساسية ، الرسالة التي يريد المخرج إيصالها هي أن الاختلاف نعمة وأن المختلفين عليهم أن يجتمعوا معا قبل أن يجتاحهم المجتمع الذي بات يسيطر عليه المتطرفين والنظام السياسي المستبد الذي يمثله عباس أبو الحسن في دور "عمر" ضابط الأمن وأنه ليس على المختلفين أن يقمعوا أنفسهم مثلما قمعت حياة قدراتها الخاصة وحبها للفن والرسم كي تتوائم مع المجتمع وارتدت حتى النقاب حينما اضطرت إلى ذلك بل يجب أن يجتمع المختلفين أصحاب القدرات غير العادية مرة أخرى في البنسون ليتحدوا ويساندوا بعضهم البعض.
جميل جداً المشكلة أن أحداً لا يسأل نفسه لماذا غالبا الأفلام - عموما وليس من المهم أن تكون مصرية - التي تنجح ويتم الإشادة بها في المهرجانات العالمية ليس شرطا أن تحقق نفس النجاح الجماهيري على الرغم من إنها هادفة وليست مبتذلة الإجابة ببساطة لأن المشاهد لا يبحث عن الرؤى والأفكار والفلسفة المعلبة سينمائيا وإلا تحول الفيلم إلى رسالة نخبوية في فيلم قدرات غير عادية غادر الناس أمامي من الصالة لأنهم أصيبوا بالضجر والملل وسمعت كثير منهم يقول ذلك علنا ، القدرات الخارقة التي تمتع بها فريدة لم يتم إفراد مساحة لأغراض التشويق لها في الفيلم مع إنها لم تعد قدرات خارقة وظواهر غير طبيعية وباراسيكولوجي بل أصبحت تلك القدرات محل بحث علمي جاد في الجامعات الأميركية من خلال أجهزة تحاول قراءة الموجات الدماغية بهدف قراءة الأفكار وكذلك أصبح بالفعل من الممكن تحريك الألعاب من خلال العقل وبإستخدام أجهزة معينة ، لذلك لم يكن سيضر المخرج داوود عبدالسيد شيئا لو أعطى المشاهد بعضا مما ظن إنه سيشاهده في فيلمه من خلال الإعلان ، مشاهد حول الاختبارات العصبية والنفسية التي قام بها عمر لــ فريدة ، بعض الخيال العلمي ، لم يبرز المخرج أية مشاهد حول إستغلال الأمن لــ فريدة في معرفة الجناة كــ وسيط روحي ، كيف تزوجت حياة من عمر ولماذا تم إختصار تلك الأحداث وإخبار د.يحيى بها على عجل ، رحلة يحيى والمعاناة التي عانى منها مع قدراته غير العادية التي اختفت لم يتم تجسيد معاناة البطل بالشكل الكافي بإختصار الرسالة التي أراد داوود عبدالسيد إيصالها طغت على الفيلم وتم تعويض ذلك بالمناظر الجميلة التي شاهدناها من خلال عدسة الفيلم وانتهى الفيلم نهاية غير مأسوف عليها إذ لم تتضح كيف ستنتهي العلاقة بين يحيى وحياة بينما شخصية غير هامة كــ أنطونيو تزوج عاهرة بينما لم نعرف ماذا سيفعل يحيى وفريدة كل ما نعرفه يجب أن يكون أصحاب القدرات غير العادية معاً...وهي نهاية مملة لذلك انتهى فيلم داوود عبدالسيد نهاية غير عادية مجسداً في النهاية مأساة غير عادية.
لقد شاهدنا أفلاماً أميركية كثيرة ذات رسائل سياسية وفكرية معينة وعميقة لكنها لم تكن مملة على سبيل المثال ماتريكس للشقيقين وتشواسكى بل أن كتبا ومقالات كتبت لتشرح رسائل الفيلم الدينية والفكرية والسياسية لكنه لم يكن مملا مشاهد الأكشن والصراع والحب بين أبطال العمل كانت كافية لإرضاء المشاهد ولنفس الشقيقين فيلم ثاء لأجل ثائر ولم يكن مملا على الرغم من الأفكار الثورية والأناركية التي حملها واثرت في أجيال من الشباب في الشرق والغرب ... بعض أفلام يوسف شاهين التي نجت من مثل هذا الفخ كــ فيلم "الآخر" كانت كافية على الرغم من إنه يدور حول العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية وبين النظم السياسية العربية وصناعة الإرهاب لكنه لم يكن مملا السياق الدرامي كان أسطورة بعكس فيلم "المصير" مثلا لنفس المخرج ، دوواد عبد السيد نفسه قدم لنا فيلما رائعا مثل "مواطن ومخرج وحرامي" ماذا حدث ؟ أرجو أن يتعلم دوواد عبد السيد هذه المرة من هذه التجربة هذا أن كان يشعر أصلا أن هناك خطاءاً يدور حول فيلمه.
تحياتي