شاهدت الفيلم العربي (إشتباك) من تأليف الأخوة خالد دياب ومحمد دياب ومن إخراج محمد دياب وبطولة مجموعة كبيرة من الفنانين الشباب منهم نيللي كريم، هاني عادل، طارق عبد العزيز، أحمد مالك، مي الغيطي، عمرو القاضي وخالد كمال. الفيلم يصعب تصنيفه فالبعض يصنفه من الأفلام السياسية والأخر يصنفه من الأفلام الإنسانية وأميل إلي التصنيف الأخير. تدور أحداث الفيلم في يوم واحد ولوكشن واحد هو داخل عربة ترحيلات للداخلية في زمن أحداث يونيو 2013 التي واكبت فترة تصعيد المعارضة ضد محمد مرسي والمطالبة بإنتخابات رئاسية جديدة مبكرة وإنتشار المظاهرات والتصعيدات العنيفة بين طرفي الصراع في الشارع بين تيار (إسلامية إسلامية) من إخوان وسلفيين وتيار (الجيش والشرطة والشعب إيد واحدة).سواء من فلول أو حزب كنبة أو ثوار ونتيجة القبض العشوائي علي بعض المتظاهرين والصحفيين وصحفي ومصور صحفي ومن شائت ظروف تواجدهم علي مقربة من مواقع أحداث ساخنة إلي تواجد خليط غريب محبوس في عربة الترحيلات. تمثل العربة بمحتواياتها المجتمع المصري بكل أطيافه من مصري يحمل جنسية أجنبية (الصحفي المصري الأمريكي أدم – هاني عادل) والمصور والممرضة نجوي (نيللي كريم) وزوجها حسام (طارق عبد العزيز) وإبنها فارس (أحمد داش) من مؤيدي الجيش وشباب الحي الشعبي ومشجعي الكورة (أحمد مالك ومحمد السويسي) من متظاهري تمرد وسبوبة المظاهرات وشباب قيادات الإخوان (محمد معاذ وعلي الطيب) وإبن الحي الراقي في التجمع الخامس والشاب ساكن الشارع بلا مأوي ويعمل سايس ويلجأ لأي مظاهرة كوسيلة لأي سبوبة عيش والشيخ السلفي وإبنته الشابة الصغيرة عائشة (مي الغيطي) وصاحب محل الموبايل والعامل عنده هذا لي جانب ضابط الداخلية ومجند الشرطة القبطي البسيط وأبناء عرب مطروح. إذا نحينا التصنيفات والرؤي السياسية لهذا الفيلم بعيداً، فنحن أمام فيلم إنساني من المقام الأول يعري النفوس البشرية بكل قوتها وضعفها الإنساني عندما توضع تحت ضغط الخوف والظلم وبما تحمله بداخلها من تاريخ وتعقيدات وخلفيات أدت إلي ما هم عليه ويمثلوه، وطريقة تفاعل هذا الخليط وتحالفهم وتضادهم مع بعضهم سواء من إتفقوا أو إختلفوا معهم في المواقف السياسية. وعربة الترحيلات بمحتوياتها البشرية وحالاتها الميكانيكية السيئة رمز لمصر بما تحمله في داخلها من أنواع وحالات من البشر ونجد أن هذا الخليط الإنساني يجمع بينهم شيء مشترك وهو أن الإنسان الواحد من الممكن أن يكون طاغية وأن يكون ضحية ومظلوما في نفس الوقت... كلنا بما في ذلك أفراد الشرطة من ضباط ومجندين وشباب القاعدة grass root لجماعة الإخوان أو من المتعاطفين معهم.أو شباب الأحياء الفقيرة الضائع أو إبن حي التجمع الخامس المرفه أو أبناء الطبقة المتوسطة فكلنا طغاة وكلنا ضحايا بشكل أو بأخر... قادرين علي الظلم ومعرضين للوقوع كضحية وتيرة الفيلم سريعة ورغم وحدة لوكشن التصوير وصعوبة زوايا التصوير ولكن التفاصيل الصغيرة والكلمات ومدلولها علي ألسنة أبطال الفيلم واللقطات المقربة والأزياء مثيرة لكثير من مواضيع النقاش وتخلق حالة من التفكير أثناء المشاهدة ورغم قتامة الصورة والقصة والوقائع في الفيلم فإنه فجر كثير من الضحات الساخرة فهو كما قلت صورة واقعية لمصر بكل تناقضاتها وميزاتها وعيوبها بما في ذلك قدرتها علي السخرية في أحلك المواقف. الموسيقي التصويرية للفيلم لخالد داغر تخلق حالة شجن وهدوء نفسي ومع نزول تتر النهاية وجدت نفسي في حالة صمت جليل ربما للسماح بترسيب الفكرة وترك مساحة لها لترسو في جوانب عقلي أو ربما لهيبة الرؤية أو لحالة الصدمة التي خلقتها. فيلم يستحق المشاهدة ونصيحة .. إخلع أفكارك وقوالبك السياسية سواء إخوان أو سلفيين أو ثوار أو فلول أو كنبة أو غيره علي عتبة دار السينما قبل دخولك إلي صالة العرض وإستمتع بالحالة الإنسانية التي يخلقها.