فيما عدا المكياچ المبالغ فيه والملابس الفقيرة لدرجة الرمزية وأخطاء بعض المناظر وأداء عبد الرحمن علي ونجوى إبراهيم الضعيف .. كانت باقي عناصره الفنية من الكتابة والتصوير والموسيقى والإخراج وتمثيل باقي الشخصيات موفقة بإمتياز .. فيلم فجر الإسلام إنتاج 1971 .. القصة والحوار لعملاق الأدب الإسلامي والعربي عبد الحميد جودة السَحَّار والسيناريو له أيضاً بالمشاركة مع مخرج الفيلم صلاح أبو سيف .. هو أفضل إنتاج السينما العربية فنياً وفكرياً عن حال العرب قبيل وبعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام - لا يضارعه سوى فيلم الرسالة والمتفوق إنتاجياً بالطبع - والذي كان السَحَّار قاسمهما المشترك في الكتابة .. البناء الدرامي للقصة - والتي تقع أحداثها بقبيلة خارج مكة - يرتكز على ثلاثة شخصيات تمثل كل واحدة منهم تيارات سادت معظم عقل ووجدان الشخصية العربية قبل بعث الاسلام .. الأول الفضل بن مالك الحنفي السمح الباحث عن الحقيقة وهو أول من يهتدي والثاني الحارث بن هشام الشاب الذي تتنازعه أهواءه بين خلافة أبيه لزعامة القبيلة وبين براءة فطرته وسلامة قلبه والتي يحسمها بإشهار إسلامه في منتصف الأحداث ثم الثالث الحارث زعيم الفبيلة القاسي غليظ القلب وكان أخر من أسلم .. مستعرضاً خلال الأحداث سوءات العرب خاصة التمييز الطبقي بصور الاستعباد وأضطهاد النساء وكذلك فضائلهم من البلاغة وحُسن لبيان والكرم والشجاعة .. عن أداء الشخصيات - والتي كما سبق أهدرها المكياج الكرتوني المضاد لواقعية صلاح أبوسيف - خصوصاً أستاذ الأساتذة محمود مرسي والشجية الجهوريِّة سميحة أيوب وعملاق الأداء المتصوف يحي شاهين بالإضافة لأداء متميز لسعيد خليل في دور أبو سفيان بن حرب كبير مكة ومحمود فرج في دور حنظلة الشهير وحمدي أحمد في دور شيبة ألأسود .. إخراجياً ليس أفضل أفلام صلاح أبوسيف لكن لم يخلو من براعته المعهودة في التكوين خاصة مشاهد التساؤل وصراع الأفكار داخل رأس أبطاله ( متى يظهر الصنم المعبود كبيراً يملء اللقطة ومتى يصغر ويغيب إلى أبعد مدى في اللقطة كلما أقترب الوعي من الفهم والإدراك الحقيقي لزيف ما كان يعبده ) .. موسيقى الفيلم بصمة فؤاد الظاهري الأميز في عناصرالفيلم لتي لم تعلوها أية موسيقى لعمل سينمائي مماثل في التعبير والوصف صُنعت خصيصاً بأوركسترا متكامل - وهي أفضل من موسيقى الفرنسي موريس جار بفيلم الرسالة - وزادها سحرا أغنية النهاية ( إلى رحاب اليثرب ) من تلحين محمود الشريف وكلمات الشاعر عبد الفتاح مصطفى التي تحكي الشوق والمقصد والغاية وأمل الأمة في إتحادها .. عمل لم ولن يُنسى ابداً من وجدان المشاهد ..