سينما الغموض الممزوج بالكثير من الإثارة والتشويق، سينما لها جمهورها العريض، وتعتبر نوع من أنواع السينما المنتظرة بشدة بين الحين والآخر، والتي يقام لها العديد من المهرجانات الدولية حيث تصنف ضمن أفلام الرعب، ويضع النقاد والمشاهدين لها تقديم واحترام.
وفي فيلم الحارث حاول المخرج محمد نادر، والمؤلف محمد إسماعيل أمين، اقتحام موضوع الشياطين، وسيطرتها على الإنسان، وخاصة الجزء الخاص باختيار الشيطان وليفة له من أهل الأرض، والتي أصبحت بشكل كبير تتناولها العديد من الأفلام، بشكل جريء ومستوى فني راقي كأول فيلم روائي طويل للمخرج محمد نادر، الذي حاول أن يجعل من الفسيخ أي من السيناريو شربات أي الفيلم فيلم يوفق إلا في اختيار واحد وهو الممثلين الثانويين بالفيلم أمثال أسماء أبو اليزيد، ورشدي الشامي، وإن صح باسم السمرة.
مبدئيا قصة الفيلم بتدور حول الزوجان يوسف وفريدة، اللذان يسافران لقضاء شهر العسل في مدينة سيوة، وهناك يقابلان أحد الأشخاص الذي يروي لهما قصة اليوم الذي يختار فيه الشيطان وليفة له من أهل الأرض، ينجب منها لتستمر سلالته تنهش فيما بينهم... تمر السنوات وينجب يوسف وفريدة طفلهما الأول عمر، ومع موته تبدأ الأمور في الانكشاف حول وجود قوى خارجية تٌسيطر على حياتهما.
السيناريو به العديد من الفجوات الواسعة، فالمعالجة الدرامية لقضية الشيطان ووليفته قضية فكرية معقدة، حاول المؤلف محمد إسماعيل، أن يثبت قدرته فيها فلجأ إلى الحوارات التي لا داعي لها، والمواقف الدرامية الغير مفهومة واعتقد أن أول ما يجب أن يهتم به كاتب السيناريو، وهو يبني الخط الدرامي الذي تدور حوله أحداث العمل، هو منطقيته الخاصة في موضوع يشكل فيه الخيال عنصرا أساسيا من عناص تكوينه، فنلاحظ أن شخصية فريدة وهي الشخصية المحورية للأحداث فقيرة من الناحية الدرامية وباهتة إلى حد كبير، وبعيدة عن الغموض والتجريد الذي جاء في غير موضعه، مما فتح الباب إلى عدم الاقتناع بما يحدث. وعلى مستوى تركيب الشخصيات، نلاحظ أن السيناريو خفق في ذلك حيث فقد المراحل والتعبيرات المتباينة بامتياز حقيقي، وانتقل بين الصدق والانفعال الكامل وبين الحزن والغضب بعدم تلقائية، محاولا الاقتراب من جوهر الأشياء الحقييقي بالقدر الكاف وبتحليل سطحي حاول ركوب موجة أفلام الغموض كعادة السينما المصرية في مثل هذه النوعية من الأفلام التي تفقد قدرتها على الإيحاء والتعبير.
وللتوضيح فإن الكاتب محمد إسماعيل قدم عدد من الأعمال الكوميدية التلفزيونية سابقا، مثل راجل وست ستات وتامر شوقية، والباب في الباب، ومرورا بأعمال درامية رمضانية ناجحة، أمثال ظل الرئيس ورحيم ، ليخرج علينا بفيلم الحارث الذي أجد فيه محمد إسماعيل أمين وصل إلى نقطة اضطر فيها إلى تقديم شريحة جديدة ضمن سيرته الذاتية، فنظر حوله ووراءه أيضا في محاولة لصنع شيء جاد وله قيمة ففكر في تأليف فيلم غموض ورعب، ولكن خانه القرار بفيلم فاضي مهرتل. وأنا أعرف تماما المعاناة التي يمر بها الفنان أو المخرج في أول أفلامه السينمائية، فتجربة العمل الأول في حد ذته عملية صعبة، ونتائجها غير مضمونة، واحتمل فشلها قائم، ويتحمل دائما المخرج وحده كل المخاطر ، وهذا ما وجدت عليه حال المخرج محمد نادر، الذي جاء تنفيذه للسيناريو ليزيد من الأمر سوء،
فبالرغم من أن الفيلم بدأ بداية جيدة من خلال المشاهد الطبيعية في مدينة سيوة، واختيارها لتكون المكان الذي سيختار فيه الشيطان بنت من الأرض لتصبح سلالته منها، وفكرة الفندق الذي لا يستخدم أي محدثات أو تكنولوجيا في إدارته، شع بأجواء الرعب الوقاعي الصميم، إلا أنه لم يلبس أن تحول كل ذلك إلى إيقاع راكد تماما، وخاصة مع إعلان مرور عدد من السنوات، حيث العديد من المشاهد المبتورة، والانتقال بين اللقطات بطريقة غير سليمة، والتي حس معها المتلقي بحالة القطع من مشهد ﻷخر، واعتقد أن الأمر راجع أكثر في سياقات العملية المونتاجية التي يعتمد في تنفيذها على مهارة المخرج والمونتير، ليجعل المشهد ناعما مريحا لعين الشماهد.
وقد عانى الفيلم بشكل كبير من الفقر في استخدم الخدع، والتقينات التي يحتاجها مثل هذه النوعية من الأفلام، واعتمد المخرج بشكل كبير على الظل والخيالات التي تظهر على الحائط، إلا في المشهد الأخير الذي اعتقد أن تنفيذه بتلك الفكرة جاء بشكل مرضي عن باقي المشاهد التي تطلبت ذلك، فمثلا الكدمات التي ظهرت على ذراع فريدة ليس من المنطقي أن تخرج بلبس مكشوف لتظهر بها في كل مكان كأن هذه الكدمات "تاتو مثلا" مرسوم على ذراعها!! أيضا كانت الطريقة المعتادة لرسم شخصية الشيخ الدجال الذي ذكرت في أول الأحداث أنه معالج روحاني ثم تحول إلى دجال، واللوكيشن المعتاد في كل الأفلام لمثل هذه الشخصيات حيث أكليشيهات الكراكيب والآثاث القديم، التي لا تتناسب مع هذه العصر.
حشد الفيلم كما ذكرنا مجموعة من الأدوار الثانوية، أو ضيوف الشرف الذين كانوا أفضل في الأداء من أبطال الععمل الرئيسيين، فالبداية كانت باختيار أسماء أبو اليزيد، في دور متميز، وشكل مخيف نتذكر به مسلسل زودياك، حيث أدت دورها بالرغم من صغر مساحته بمهارة، وبحضور أمام الكاميرا مما أضاف إلى حسناوات الفيلم مع التصوير.
أيضا دور الشيخ الدجال رشدي الشامي، الذي أجاد دوره بتفهم عميق للشخصية
أما بالنسبة للأداوار الرئيسية بالفيلم
أرى أن الممثل علي الطيب، ممثل ماهر، وأنه لابد من أعادة اكتشاف هذا الممثل، مرة أخرى حتى لا يظل في منطقة الدور الثاني في السينما، والتأكيد على أنه طاقة فنية تحمل كل مقومات الممثل الناجح، ولعل المخرجين يستثمرون فيه نمطا جديدا في الشخصية المصرية، بدلا من التكرار في الوجوه التقليدية التي نشاهدها بملل.
ياسمين رئيس لم تتقدم في هذا الفيلم، ولم تقدم أي جديد، بل كانت أغلب تعبيرها مثلما ذكرنا سابقا باهتة ولا تدل على أن ابنها قٌتل، أو أنها مصابة بأي هلوسة عقلية، بالإضافة إلى طريقة إلقائها للحوار في بعض الأحيان ذكرني بشخصيتها الشعبية في فيلم فتاة المصنع.
احمد الفيشاوي: للأسف الشديد، أدر دور يوسف بشكل بارد، وبطريقة لا منطقية مع الأحداث، حيث كان من المفروض أن يكون أكثر انفعالا، ولم أفهم هل كانت الشخصية مرسومة لشخص ميت أم حي يزرق، كما أن رسمه وملابسه كانت شبيهها إلى حد كبير بشخصيته بفيلم زي النهاردة، وفيلم هاتولي راجل.
في النهاية الفيلم في مجموعه كان من الممكن أن يكون من أفلام الرعب المميزة، لولا عدم منطقية الأحداث في السينماريو وتنفيذ مشاهد الرعب والغموض والمشاهد المبتورة، وأخيرا اختيار الفيشاوي ليمثل دورا أساسيا بالفيلم فانتحر الفيلم مع انتحار المشاهد.