من إخراج مروان حامد، وسيناريو وحوار أحمد مراد، وبناءً على روايته (1919)، ومن بطولة النجوم أحمد عز، وكريم عبد العزيز، وهند صبري وسيد رجب، وأحمد مالك، والممثل الإنجليزي سام هازل دين، قُدم فيلم كيرة والجن، ملحمة تاريخية عن أحداث مصرية فترة احتلال الإنجليز لمصر متضمنا ثورة 19، وحتى رحيل أخر عسكري إنجليزي، وقيام ثورة يوليو.
مبدئيا الفيلم حقق أعلى صورة مبهرة، مع مناظر بانورامية، وقف خلفها المخرج مروان حامد، مع تحدي للمصور العبقري أحمد المرسي، وإضافات المونتير أحمد حافظ، على الرغم من وجود مشاكل في سرد القصة، والتمثيل الذي سأحدده بعد قليل.
في كل مرة يُمنح مراون حامد المواد المناسبة للعمل معها، ويستغلها في مكانها الصحيح، وبالطريقة التي تبهر الجميع، وهنا استطاع إلتقاط كلاً من تلك الأدوات التي تمثلت في التصوير وإدارة الممثلين، واللحظات الخاصة العاطفية الشديدة والحركة القاسية العنيفة، ليدرك معها الجمهور بأنه موهوب جدًا في تقديم الأفلام الجادة ذات الأفكار الجديدة والبعيدة، حتى لو كانت مع دراما نصف مخبوزة. ويثبت أن له سحره الأدبي والتقني في أفلامه، وأنه لا يزال قادرًا على استخلاص المشاعر الشديدة والعروض البارزة من فريقه، لتأتي سرعة الفيلم التي لا هوادة فيها - للأفضل أو للأسوأ في بعض الأحيان - حيث يتم استخدام كل دقيقة لتعزيز العديد من الوقائع المنظورة، والقطع المحددة للشخصيات قدر الإمكان.
ولهذا أرى أن مروان صنع فيلما ليس بأكشن، ولكن ذو عقلية تصويرية، مليئة بالأفكار ومرئيات مذهلة، ويزيله في نفس الوقت من فئة الأفلام التي تشاهدها مرة واحدة فقط
ويجب أن أقول أن ميزة مروان تعمل بشكل أفضل هنا. ليس فقط بسبب التكنولوجيا الأكثر تقدمًا ولكن أيضًا بسبب الطريقة التي أخذها ووقته في إعداد شخصياته، وإظهار البطولات في مهمتهم، مقدما صورة غلبت على كل المشاهد الدرامية والأحداث المشوقة أي كانت. يؤخذه عليه تنفيذ مشاهد المعارك وإطلاق النار التي لم تكن منطقية، أو أثارت تساؤلات عديدة حول كم الرصاص الذي أطلق في اتجاهات مختلفة، ولم يصب أحد من الأبطال، وكأنهم خارقين، أو أشباح. يتناول الفيلم قصة المقاومة الشعبية بقيادة كيرة وأعوانه، وتعرفه على الجن الذي يجتمع معهم على كلمة واحدة بعد مقتل والده على يد ضابط إنجليزي، وهي تنفيذ عملية قتالية للتخلص من الضباط الإنجليز الفيلم مبني على أحداث حقيقية، شملت حادثة دنشواي أرخ مروان ذلك من خلال مجموعة من اللقطات التسجيلية الحقيقية، ومظاهرات المصريين ضد الاحتلال الإنجليزي، وكذلك ثورة 19، وحتى منتصف العشرينات من القرن الماضي، كل هذا كان سببا في تقديم فيلم ملحمي من الدرجة الأولى كقصة، وكتيمة رئيسية للفيلم، معتمدا على عوامل نجاح ليست بقليلة من ضمنها تلك الأحداث الحقيقة، بالإضافة إلى ثنائي ملهم تمثل في المخرج مروان حامد، والكاتب أحمد مراد، بعد عدة أعمال فنية لا تقل إبهارا مثل فيلم الفيل الأزرق عام 2014. كذلك اللعب على المشاعر الوطنية، والاجتماعية والأنسانية وخاصة واقعة دنشواي التي ألمت في نفوس الشعب المصري حتى يومنا هذا
ولكن إذا تحدثنا بشكل أكثر تفاصيلا على مستوى السيناريو، والبناء الدرامي فإننا نلاحظ أن الدراما التي امتدت قرابة الثلاث ساعات حاول مراد، من خلالها رسم كل شخصية ببناء درامي منفصل، وكأنه يتضمن أفلام مستقلة لكل شخصية على حدةِ، وكان لهذا تأثير سلبي كبير على الأحداث. أيضا الربط بين الشخصيات، والأسباب التي كانت وراء تعرف الأبطال على بعضهم البعض، كانت ضعيفة بشكل كبير، وخاصة تعرف كيرة على الجن، وهروب الأخير من قسم الشرطة، والسبب وراء الانتقام من أحد الضباط الإنجليزي وكذلك الزج بقصة رومانسية كخط فرعي، كان له واقع على رتم الأحداث، التي هدت معها الأنفاس وسط حرب عصابات ضارية طوال 175 دقيقة تقريبا، والتي لا أجد لها أي داعي، أكثر من التطويل، وكذلك شخصية زينب التي قامت بتأديتها الفنانة روبي كضيف شرف، وماتت، وكأن موتها سببا لعلاقة الحب السريعة بين كيرة وإيميلي. أيضا الشخصيات هنا تتحدث باستمرار عن بعضها البعض، في محاولة لخلق بيئة مزدحمة؛ حيث لن تجد دقيقة واحدة من الصمت والسلام، تتخللها حوارات ومونولوجات للشخصيات الفردية المتداخلة، تجعل الجو العام للفيلم مبعثر. لا يمكن نسيان براعة أحمد حافظ في مكساج المشاهد والصوت، ومزج كل ذلك مع المؤثرات البصرية الرائعة، وكذلك التصوير الذي أبهى مواجهات صعبة بين الجنود الإنجليزي، والأهالي وأفراد المقاومة، ويضيف التوتر الكثير إلى التصوير السينمائي المذهل للفيلم ومونتاجه الرائع، ويجعله يسير بخطى جيدة ومشوقة من البداية إلى النهاية، والتي تعرض ببساطة الموهبة في صناعة أفلام الإثارة. حتى المقطوعات الموسيقية، فعلى نفس الخط الدائم في تناغم المشاهد مع موسيقى هشام نزيه، التي ترفع بذكاء مستوى الضغط الذي يواجهه أبطالنا الرئيسيين طوال الوقت. والذي أكد أنه يشكل دورا هاما دائما في أفلام مروان حامد والتي تمثلت في الفيل الأزرق، والأصليين، وتراب الماس، وغيرها من الأعمال الأخرى التي تميزت بموسيقى نزيه.
أما بالنسبة للأداء التمثيلي، فاعتقد أن جميع الأبطال كانوا على نفس الهمة، والمستوى الإبداعي، وكانت المقارنة صعبة للغاية، وخاصة بين بطلي الفيلم أحمد عز، وكريم عبد العزيز، حيث قدما الاثنان ملحمة تمثيلية عميقة، يصفق لها الجميع، ونحن مدينون بهذا العمق في المقام الأول لكريم وعز في الدور القيادي، حيث قدما أداءً معبرًا متعدد الطبقات بشكل لا يصدق ويثبتا أنهما أكثر من مجرد ممثلين عاديين صنعا أفلامًا عظيمة،. ولكن ما يؤخذ عليه، تكرار الأدوار في أعمال أخرى، آخرها مسلسل الاختيار 3، الذي جمع الاثنان سويا في مشاهد لا تقل إثارة وحرارة عن تلك المشاهد، كذلك دور الجن، الذي شابه كثيرا شخصية رضا، في فيلم ولاد رزق، بما في ذلك أداء متميز من قبل هند صبري في شخصية دولت، وهو مفتاح فرعي أخر في القصة، حيث قدمت أداءً عاطفيًا قويًا صادقا هناك جانب سلبي آخر يتمثل في حشد الكثير من الأشخاص في فيلم واحد - الكثير منهم لدرجة أنهم اضطروا على ما يبدو إلى ظهور كل شخص في مشهد أو إلصاقه في نهاية مشهد؛ فقد حصد الفيلم العديد من الممثلين الذين على وزن وثقل ليس بقليل، فتبدأ في ملاحظة أن بعض الشخصيات عبارة عن اختلافات زائدة عن الحاجة، ولكن لابد من التأكيد على إدارة مروان حامد للممثلين، حيث نجح في إخراج كل ما لديهم من مهارة وحرفية،
وقد وصلت إيرادات فيلم كيرة والجن في أول يومين عرض إلى 8 ملايين جنيها تقريبا، والذي إن دل يدل على القاعدة العريضة من الجمهور المنتظر لأفلام مروان حامد، وأحمد مراد بصفة عامة، وبغض النظر عما سيتم تقديمه من قصة، وأحداث.
في النهاية الفيلم يترك شعورًا بالرضا، ولكن لا يمكنك تصديقه تمامًا في نفس الوقت.