فيلم "أوبنهايمر" Oppenheimer لـ كرِستوفر نولان

بعد انتظارٍ وصلَ إلى درجة التّحرّق شوقًا من قبل الجماهير والنقاد حول العالم صَدَرَ الفيلم (الانفجاري) "أوبنهايمر" للمخرج كرستوفر نولان. لقد تمخض هذا الفيلم عن انفجارين: انفجار سينمائي للقنبلة الذرية الأميركية وانفجار لإبداع طاقم العمل جميعا. ولا شك أن أهمية موضوعه تزداد في هذه الأيام التي تشهد تهديدات نووية. سوف أؤجل تقييمي إلى نهاية المقال بعد أن أعرض رؤيتي للفيلم بعد مشاهدة واحدة. هو من فئة الأفلام البيوغرافية الملحمية، أي السيرة الشخصية التي تشهد تحولات كبرى وتأثيرات عظمى، حيث يحكي قصة أبي القنبلة الذرية الأميركية التي حسمت الحرب العالمية الثانية لصالح الولايات المتحدة وحلفائها بعد أن ألقيت اثنتين منها على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في 6 و 9 أغسطس 1945م. إنه جوليوس روبرت أوبنهايمر (1904 – 1967م)، عالم الفيزياء النظرية الأميركي، المسؤول أو المتسبب في تدشين الأسلحة النووية وكل ما أعقبها من نتائج كارثية على مستوى الإبادة الجماعية والهيمنة السياسية للدول العظمى وسباق التسلح العالمي والأضرار البيئية المستدامة وغيرها. ولذا فهو شخصية جديرة بالبحث والاستقصاء، وقد ظهر أخيرا هذا الفيلم ليُقَدَّمَ لنا ضمن إطار سياسي وفكري ملائم، مسايرا للسياق التاريخي وقت الحرب العالمية الثانية وسباق التسلح ضد ألمانيا النازية، والحرب الباردة، والمكارثية. لقد بنى المخرج والسيناريست كرستوفر نولان نصه السينمائي على كتاب بيوغرافي مهم يؤرخ لأوبنهايمر صدر عام 2005 - بعد مسيرة تأليف امتدت إلى خمس وعشرين سنة -بعنوان: American Prometheus: The Triumph and Tragedy of J. Robert Oppenheimer (بروميثيوس الأمريكي جي. روبرت أوبنهايمر: إنجازه ومأساته) من تأليف كاي بيرد ومارتن شيروين اللذين حصلا بسببه على جائزة البوليتزر الشهيرة عام 2006م، وهو كتاب ضخم يقع في 721 صفحة.

الفئة الأدبية للفيلم وانتماءاته النوعية: ينضم هذا الفيلم البيوغرافي الملحمي إلى مجموعة الأفلام التي تحكي قصص الاختراعات الكبرى سواء التقنية أو الأدبية أو المؤسساتية، وأستذكر في هذا السياق عدة أفلام مثل فيلم The Imitation Game عن اختراع الإنجليز بقيادة العالم الرياضي ألان تورينج جهازَ حاسوب يفك شيفرة آلة تشفير الرسائل الألمانية (إنجما) مما يسهم في كشف خطط الألمان العسكرية وبالتالي هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، ويسهم أيضا في اختراع أجهزة الحاسوب التي نستخدمها اليوم. وفيلم The Good Shepherd الذي يحكي قصة وكواليس تأسيس إدارة المخابرات المركزية الأميركية CIA في أثناء الحرب العالمية الثانية. وفيلم Radioactive حول العالمة ماري كوري وإنجازاتها، وفيلم The Professor and the Madman عن وضع أول معجم تاريخي للغة الإنجليزية، وفيلم Tesla و The Current War حول الشخصيات التي تقف خلف تطوير استخدام الكهرباء وأجهزتها مثل العالم تيسلا وأديسون. وغيرها من أفلام عن مخترعي ومطوري السيارات والطائرات وتطبيقات التواصل الاجتماعي التي غيرت العالم وجعلته كما يبدو عليه اليوم.

نبذة عن الفيلم: نشاهد في هذا الفيلم الذي يمتد إلى ثلاث ساعات سيرة أوبنهايمر، الذي جَسَّدَ شخصيتَه الفنان الأيرلندي كيليان مورفي، في عدة مراحل: مرحلة طلب العلم في جامعات هارفرد ثم كيمبردج ثم غوتنغن التي تعلّم فيها علم ميكانيكا الكم، ونطّلع على ميوله السياسية ومخالطته للجماعات اليسارية الشيوعية، ثم لمعان نجمه بعد نشره لكثير من الأبحاث المهمة وإدخاله علم ميكانيكا الكم إلى الجامعات الأمريكية، وتحديدا في كالتِك وهارفرد وبيركلي. ثم نشاهده قلقا من احتمالية وصول ألمانيا النازية إلى تقنية صناعة القنبلة المدمرة قبل أن تصل إليها أميركا، مما يعني انتصارا مؤكدًا لدول المحور. فيكلف أوبنهايمر بطلب منه - رغم كل الشكوك حول ميوله الشيوعية - بتدشين "مشروع مانهاتن" الذين يهدف إلى اختراع تقنية القنبلة ذات التدمير الشامل، لتكون سلاحا فتاكا يحسم الحرب لصالح أميركا وليكون رادعا للعدو. ثم نراه في مرحلةِ ما بعد تفجير القنبلتين، يعاني الآلام النفسية والشعور بالذنب والقلق من المستقبل والخوف من إطلاق سباق تسلح ومن استخدام دولته للسلاح النووي في قضايا غير إنسانية، فيمسي أوبنهايمر ناشطا مناهضا لسياسات التوسع في بناء أسلحة الدمار الشامل، ومؤثرا في السياسة الذرية والدفاعية الأميركية، الأمر الذي سيعرضه لحملات تشويه سمعة واتهامات بالعمالة للسوفييت، يقودها بعض من كانوا معه في نفس المشروع.

معمار النص السينمائي: انتهج كرستوفر نولان أسلوب السرد غير الخطي Nonlinear narrative مُوَظِّفًا تقنية الاسترجاع الخلفي للمَشاهِد Flashback والاستحضار المستقبلي لها Flashforward بطريقة قد تبدو لأول وهلة عشوائيةً وتشعر بالضياع في أثناء المشاهدة ولكنها ستغدو في نهاية الفيلم منطقية مفهومة. إن هذه التقنية السردية معقدة ولكن مدروسة، ولا شك أنها تتطلب عقلا هندسيا قادرا على تحويل مَشاهِدَ مبعثرة تسلسليا إلى قصة مفهومة إلى حد كبير في نهاية المطاف. بالإضافة إلى ذلك، فإن نولان عمِدَ إلى تكرار عرض بعض مشاهد الاسترجاع الخلفي ومشاهد الاستحضار المستقبلي بحيث يضيف عند كل إعادة جزءا صغيرا من التفاصيل، وكأنه يعطي دواءً بالقَطَّارة، وعند وصولنا إلى الجزء الأخير من الفيلم تكتمل تلك المشاهد فتتضح الفكرة وتزيد احتمالية حصول الدهشة والانبهار الممتع لدى المشاهِد. يمكننا ملاحظة الخطوط العامة للنص: جلسة استماع الكونجرس ضد الوزير ستروس. جلسة استجواب أوبنهايمر من أجل نيل تجديد لتصريحه الأمني. ويُقَطِّعُ نولان هذين الخطين ليظهر منها مقاطع استرجاع واستحضار تقتحم الخط الأساسي للقصة الذي يعرض سيرة أوبنهايم الواقعية والمتخيلة، وأهم معالمها تأسيسه لمختبر سري في وسط الصحراء في أراضي الهنود الحمر تسمى لوس ألاموس، وتجنيده لعلماء الفيزياء والرياضيات من عدة أماكن داخل وخارج الولايات المتحدة وإسكانهم في البلدة التي بنيت على عجل. ينجح فريق العلماء الذين يديرهم أوبنهايمر في التفجير التجريبي للقنبلة. وقد صُوِّرت هذه العملية في متتالية مشاهد بلغت الغاية في التأثير والإقناع من خلال إتقان الديكورات وتقليد المعدات الحقيقية واصطناع مناظر الانفجار واللعب بصوت دوي الانفجار خفضا ورفعا وتقطيعا، بالإضافة إلى نقل الكاميرا ما بين وجوه العلماء ومنظر نيران الانفجار الذي يتحول إلى شكل الفِطر المرعب فيضيء الصحراء ليلًا. كان الحوار في الفيلم مُركزا، يخلو من الحشو، مرصع بالجمل والعبارات التي تضم مفاهيم فلسفية وخلاصة تجارب، ولا شك أن أكثرها دعوة للتأمل والتفكير الحوار الذي دار بين أوبنهايمر وألبرت آينشتاين في نهاية الفيلم، بالإضافة إلى الحوار الذي دار بين أوبنهايمر والرئيس الأميركي ترومان.

فلسفة الفيلم وموضوعاته: في بداية الفيلم يُفصح المؤلفُ عن القضية الفلسفية التي تدور حولها القصة، وهي أخلاقيات التكنولوجيا، وقد عبَّر عن ذلك من خلال اقتباس عنوان الكتاب الأصلي المشار إليه في الأعلى، بالكتابة النَّصّية المقتضبة عن الأسطورة الإغريقية بروميثيوس. وهو إله النار الذي يَعصِي آلهة أوليمبوس الكبار خاصة زيوس الذي حظر على البشر معرفة النار واستخدامها، فيسرق بروميثيوس قبسا من النار بِنيِة طيبة حسنة ويقدمها للبشر ليستفيدوا منها. ولكنه يُعَاقَبُ على فِعلته، ويسيءُ البشر بدورهم استخدامَ النار. والمحاكاة الموضوعية ظاهرة في هذا الفيلم فأوبنهايمر تجاوز الخط المسموح به من الناحية الأخلاقية وتجرأ على نيل تكنولوجيا فتاكة كفيلة بتدمير البشرية، متعذرا بحسن النية ومتحججا بغريزة الرغبة في البقاء والقضاء على الشر وإيقاف النازيين واليابانيين، فيخترع قنبلة ذرية ويعطيها لدولة يظن أنها ستستخدمه في حدود ضيقة للصالح العام، ولكنه يكتشف أن الدولة الأمريكية ترغب ببناء مزيد من القنابل وبتقنية أشد تدميرًا، فيُعاقَبُ أوبنهايمر بمقاساة الآلام النفسية ثم يحظى بعقوبة حكومية وجماهيرية، وبشكل خاص من بعض زملائه العلماء الذين انقلبوا عليه. ومن خلال هذه المقارنة أو تجذير التجربة الخاصة بأوبنهايمر وربطها بالأسطورة الإغريقية يُلمِّحُ المؤلف إلى جبرية التجربة الإنسانية وتسلط السنن الكونية على السلوك البشري، وتكراره العجيب عبر الزمن. ويحتوي الفيلم موضوعات جانبية، كالنزعة السياسية الأمريكية الشرسة المضادة والمضطهدة للشيوعية والشيوعيين بداخل أميركا خلال أواخر الأربعينيات والخمسينيات، وهي التي عرفت باسم المكارثية، نسبة لحامل لوائها السيناتور الأميركي جوزيف مكارثي. غير أن الذي شنَّ حملة على أوبنهايمر لم يكن جوزيف مكارثي، بل شخص آخر مقرب له عمل في مشروع مانهاتن ويعاونه أعضاء في نفس المشروع. الأمر الذي ينقلنا إلى موضوع آخر وهو الحسد والغيرة من نجاح وشهرة الزميل، غيرة الأقران. ومن الأسئلة المميزة التي تطرق لها الفيلم مسألة: من يجب أن يحظى بالتقدير الأكبر والشهرة؟ هل هم الذين عملوا بأيديهم على إنجاز اختراع القنبلة (فريق العلماء)؟ أم الذي أدار فريق العمل (وهو أوبنهايمر)، أو مسؤوله الأكبر (ستروس) أم رئيس الدولة (ترومان)؟ ويتضح هذا بشكل مُرَكَّز في الحوار الذي دار بين الرئيس ترومان وأوبنهايمر في الفيلم حين طلب الأخير من ترومان تضييق النشاط النووي للولايات المتحدة وعدم استثارة الاتحاد السوفييتي لئلا تقوم ببناء قنبلة خاصة بها، فرد ترومان باستخفاف وعنجهية قائلا: أتظن أن اليابانيين الذين قُصِفوا بالقنبلتين يعرفون اسمك؟ إنهم يعرفون اسمي أنا"، ثم طرده من مكتبه البيضاوي. وهذا الحوار يذكرني بحوار شبيه ضمن فيلم طروادة Troy لبراد بيت وبرايان كوكس والذي جرى بين الملك أغاممنون قائد التحالف الإغريقي المحاصر لمدينة تروي الأناضولية وأحد الفرسان الأقوياء الذين يقاتلون مع التحالف، وهو الفارس أخيليس الذي لم يُهزم أبدا في معركة ويعود الفضل إليه في نجاح الجيش الإغريقي، حين قال الملك للفارس بعد جدال بينهما: "التاريخ يذكر الملوك فقط، وليس الجنود!". لذا يحاول المؤلفان نقل فكرة مفادها أنه مهما بلغ ذكاء وقوة وجهد الفرد المرؤوس فما هو إلا أداة عند الرئيس الذي ينال المجد وحده، والذي لن يجد أية غضاضة في التخلي عنه وجحد أفعاله وإنجازاته. يتناول الفيلم أيضا التناقض الأزلي بين الجهد العلمي والبيروقراطية الحكومية والتراتبية الإدارية التي تعيق وتجهض وتختطف الإنجاز العلمي وتسيء استخدامه، وبشكل قد يُـحَوِّل العلماء إلى موظفين أو عاملين تحت إمرة البيروقراطي الذي لا يفهم أبعاد المنجز العلمي وتأثيراته وخطورته. ويتطرق الفيلم أيضا إلى قضية الاحتباس الحراري ويفاجئنا بتسليط الضوء على زاوية مظلمة مسكوت عنها تخص أحد أهم أسباب التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة في الآونة الأخير، حيث أنه كشف عن دور القنابل النووية في الإضرار بالغلاف الجوي للكرة الأرضية. فالفيلم يشرح لنا بطريقة ذكية كيف حصل ذلك.

أداء الشخصيات الرئيسة: لعل من نقاط القوة التي يتحلى بها نولان والتي كفلت له النجاح في أعماله السينمائية هي قدرته على اختيار الممثلين المناسبين للأدوار، فقد اختار لتجسيد شخصية أوبنهايمر أحد أهم الممثلين على الساحة الفنية في الوقت الحالي، الأيرلندي كيليان مورفي الذي سبق وأن أدى دور البطولة في مسلسل بيكي بلايندرز. تكمن قوة مورفي في قدرته على التحكم بأدائه الوجهي والتعبير بعينيه عن جميع حالات الإنسان ومشاعره. سنشاهده في فيلم أوبنايمر قلقا حزينا مشتتا يبحث عن طريقه حين يجسد مرحلة شبابه، ثم يتحول بشكل مقنع فيجسد أوبنايهمر في فترة النجاحات، فيكتسب ملامح واثقة متطلعة تضج بالرغبة في الإنجاز بل وينجح في رسم ملامح الغرور والثقة الزائدة والشخصية المسيطرة على بقية العلماء. ثم نشاهده وهو ينكمش فرقا ورعبا من هول المفاجأة حين تنجح تجربة تفجير القنبلة في الصحراء الأميركية، ثم يُعبر بوجهه وحركاته عن شعوره بالندم والخوف ورعبه من المستقبل وما إلى ذلك من مواقف ومنها أداؤه في جلسة الاستجواب الذي راح فيها يدافع عن نفسه وهو يعلم أنه دخل الفخ، حيث الحَكَمُ هو نفسه الخصم. ويتفوق الفنان الأميركي روبرت داوني جونيور في أدائه دور لويس ستروس، عضو هيئة الطاقة الذرية الأمريكية التي تشرف على برنامج مانهاتن لصنع القنبلة الذرية، حيث نجح في التنقل بين عدة ملامح، الزميل المرحب اللبق، والرجل النبيل الشهم في البداية، ثم يقنعنا بلمح البصر أنه كان ثعلبا متنكرا بثياب الشهامة والوطنية، مخفيا مشاعر الغيرة والحسد تجاه أوبنهايمر، وسمات النرجسية والغرور فينفجر أداؤه في جلسة الاستماع في الكونجرس الأميركي في نهاية الفيلم لتتحول مشاعرنا تجاهه إلى الكراهية بعد أن وثقنا به طوال الفيلم. ويلعب عدة فنانين قديرين أدوارا مهمة في هذا الفيلم، فنشاهد مات ديمون بدور ليزلي غروفز، الضابط الموكل إليه بناء القرية الصحراوية التي تضم المختبر السري لمشورع مانهاتن وإحكام السيطرة على سرية الموقع ومكافحة التجسس. لقد اكتسب مات ديمون وزنا زائدا من أجل أداء هذا الدور والذي أعطاه مزيدا من الهيبة اللائقة بالضابط المتحكم والمدير الأمني لأهم مشروع عسكري في تاريخ الولايات المتحدة. ونجد أيضا إيميلي بلنت بدور زوجة أوبنهايمر القلقة دائما، والأميركي المصري رامي مالك الذي لعب دورا صغيرا ولكنه مهم في مجريات الفيلم وحبكتها، وهو دور المناهض للقنبلة الذرية ثم المدافع عن أوبنهايمر والذي تسبب في فضح غريمه. واستعان نولان أيضا بفنانين ألمان وأوروبيين جسدوا شخصيات علماء فيزياء ورياضيات. الموسيقى والتأثيرات الصوتية: لعبت الموسيقى والتأثيرات التصويرية للفيلم وهي من تأليف السويدي لودفيج غورانسون دورا أساسيا في نقل مشاعر الشخصيات ومرافقة سيرورة الأحداث، ونجحت أيضا في أن تستحث ترقب المشاهدين وتأمل الحدث أو الحوار. استخدم المؤلف الآلات الوترية، ووظف آلات الإيقاع، وصوت الساعة. ولم يكتف بهذا بل أدخل صوت دعسات الأقدام فوق أرضية مدرج خشبي لينتج شعورا داخليا لدى أوبنهايمر يوضح مدى تعرضه للسحق تحت وطأة الشعور بالذنب، رغم أن صوت دعسات الأقدام الجماعية كان في الفيلم مكرسا لتحية أوبنهايمر على إنجازه حين دخل قاعة المحاضرة، فهي تقوم مقام التصفيق في بعض الدول. فنلاحظ هنا ازدواجية الدلالة والمعنى في هذا التأثير الصوتي. ويبدو أن المؤلف الموسيقي نسج نغماته وتأثيراته الصوتية بعد عمل مونتاج الفيلم ليتاح له تخصيص مقطع صوتي ملائم لكل مشهد مهم مما أتاح له تحقيق أقصى مستويات التأثير. كان التصوير الذي قام به هويته فان هويتمه متقنا مناسبا، والذي استخدم كاميرا IMAX. وتفنن في توظيف اللقطات القريبة والمتوسطة والبعيدة لإيصال حالة أوبنهايمر النفسية. إن أفلام نولان تستحث النقاد دوما على إظهار مواطن الجمال والإبداع فيها، فهو فيلم مثالي متكامل يجب أن يُدرّسَ في الأكاديميات الفنية ويستفيد منه المخرجون. فهو متقن السيناريو وبليغ الحوار ومقنع في التأثيرات السينمائية، ومؤثر في الموسيقى، ومتفوق في بناء الديكورات واختيار اللباس. أنصح بمشاهدته والاستمتاع به وتأمل أفكاره.