على رأي المثل: الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون.

07:58 ص ‏24/‏08/‏2023 فيلم "شجرة الكمثرى البرية - Ahlat Agaci 2018"، عمل طويل يُثير الأشجان ويفتح الأبواب لتتدفقَ الأفكار، وتُستَفزَّ المشاعر والقناعات، وهو حديث عن الدين والفن والفلسفة والحياة، هذا ما أحسسته أثناء مشاهدتي لهذا الفيلم النّادر الّذي يحكي قصة شاب طموح ثائر على كل ما هو تقليدي ومبتذل، يريد أن ينشر عمله الأدبي الأول فيلقى في سبيل ذلك متاعبَ ومشاقّ، إلا أنه لا يستسلم، وهذا الشاب الطموح (سنان) جريءٌ ومجادل لا يوفر فرصة في أي حوار دون أن يبدي رأيه، وأستطيع القول أن هذه الجرأة في النقد وحب المناقشة هي إحدى الأسباب الّتي صنعت كآبته، وإن كانت عادة واعية وطبع أصيل إلا أنها مجلبة للكآبة وسبب يدعو الناس إلى الِابتعاد عنه، (.. وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)، في إحدى الحوارات تقول له أمه: كانوا يقولون لي أنك غريب الأطوار.. وما كنت لأصدقهم، وهي تمسك بكتابه جذلانة تغمرها السعادة على إنجازه! وتقول: علمت أنك ستحقق شيئًا عظيمًا..

وكنت سأتحدث عن التناقضات عند (سنان) ولكن أليس لكل إنسان نصيبٌ منها؟ وهل الإنسان إلا جمعٌ بين تناقضات سواءً أكان مُدركًا لها أم لا! من أهم موضوعات الفيلم، العلاقة التي تربط سنان بوالده، وهي علاقة معقدة جدًا، كما هي الحال في الواقع! فسنان الّذي أسقط والده القدوة بعد أن وضعه في محاكمة في عقله هو، لم يكن قادرًا على تجاوز النتيجة، بل ظلَّ متأملًا كأنه يحاول أن يجد لوالده مخرجًا، لم يكن يتمالك دموعه في آخر الفيلم عندما وجد قطعة من جريدة يحتفظ بها والده في محفظته وفيها مقالة عن كتابه الّذي يحمل عنوان الفيلم: "شجرة الكمثرى البرية".

صاحبت الفيلم موسيقى حزينة آسرة، وصوت أنسام الطبيعة وحفيف الأشجار والمناظر الطبيعية الجميلة جعل من الفيلم تحفة فريدة. من حوارات الفيلم المُعجبة: كلام (سنان) عن الجمال مع الكاتب في المقهى، إذ يقول: "عندما ندرك أننا لسنا مهمين جداً... لماذا تتأذى غريزتنا؟ أليس من الأفضل أن نتعامل مع ذلك كلحظة مفتاحية للبصيرة؟ نحن من نلد معتقداتنا الخاصة. لهذا علينا أن نؤمن بالانفصال، شأنه شأن الحب والجمال، وأن نستعد له. لأن في التمزق والانفصال انتظار لحدوث شيء جميل. في هذه الحالة، لماذا لا نتعامل مع هذه المحن.. ككوارث بنّاءة.. تساعدنا في اختراق خبايانا؟".

مع صاحبته: "أنا لا أخطط للبقاء هنا، رغم ذلك. ولمَ لا؟ لا أعلم، لا يعجبني المكان هنا. كل هذه العقول الصغيرة، الناس المتعصبون كأنهم البازلاء ضمن قرونها. أنا لا أخطط للتعفن هنا.".

مع الكاتب (بعدما أمطرهُ سنان بوابل من المجادلات والمهاترات والأسئلة الّتي لا يمكن الجواب عنها في جلسة واحدة): "لا تظن أنني لم أكن أدرك بعد لقاءك بوقت قصير، أنك شخص مهووس بالعواطف. - سنان: أنا لست مهووسًا. لكن على الرغم من كل شيء.. كما رأيت، فأنا لم أتركك وأذهب. لم أطلب منك المغادرة. لقد تركتُك تتحدث عن كل هذا. كنتُ صبوراً ومهذباً على الرغم من السخرية والتلميحات الخاصة بك. لكن حان الوقت لتتركني أذهب إلى المنزل! حسناً؟ دعني أذهب إلى المنزل! وأنقع قدمي في الماء المملح! - هل تعرف لماذا؟ - سنان: أنت تسيء فهمي. لأن هناك حقيقة واحدة فقط كنتُ على علم بها في النصف ساعة الأخيرة. هي الألم الحاد في ساقيّ.. وألم مفاجئ في رقبتي. وكان ما ينقصني فقط.. هو الصداع النصفي القاتل. هل تعلم ماذا يعني ذلك، يا صديقي الشاب؟ أنني لا أعير أي اهتمام بشان مركز الأدب اللعين.. إن كان اللغة أو أي شيء آخر! ما تفشل أدمغة ساذجة مثل دماغك أن تفهمه.. هو أنه ليس هناك حقيقة واحدة فقط! - سنان: هذا فوق الحد قليلاً. الأدب، والنجاح.. احتفظ بهذه الأشياء لنفسك! - خذها كلها! - سنان: الناس يحدّقون بنا... سأرفض جائزة "نوبل" لو عرضت عليّ الآن! هل يمكن أن أكون أكثر وضوحاً؟ لذا اعذرني يا صديقي الشاب. أنا ذاهب!".

في الفيلم بعض الحوارات الذكية، مثل حواره مع والده في آخر الفيلم، وانتهاء الفيلم باقتفاءِ (سنان) درب والده باحثًا عن الماء!

تقييمي 10/7