لا شك أن فيلم إبراهيم الأبيض قد حفر لنفسه مكانة بارزة في تاريخ السينما المصرية، متجاوزا كونه مجرد عمل فني ليصبح أيقونة تعكس واقعا اجتماعيًا معقدا بإخراج متقن لأبرز تفاصيل العنف والفقر في أحياء مصر الشعبية، وطرح فلسفي عميق تجاوز السطحية ليغوص في أعماق نفوس شخصياته. أحد أهم ما يميز الفيلم هو قدرته على تقديم منظور جديد ومختلف للعنف والبلطجة. فبدلا من تصويرهما كظواهر سطحية، قدم الفيلم تحليلًا عميقًا لأسبابها ونتائجها، وكيف تتشابك مع الهوية والانتماء الاجتماعي. هذا الطرح الفلسفي، المتأصل في الثقافة المصرية، يميزه عن الأفلام الغربية التي غالبا ما تتناول العنف بشكل أكثر تجريدا. على الرغم من هذه المزايا، يعاني الفيلم من بعض الثغرات التي أثرت على تجربة المشاهدة أهمها الفجوات السردية الكثيرة التي تركت العديد من الأسئلة دون إجابة. يمكن تفسير هذه الفجوات بعدة عوامل: يعتقد الكثيرون أن حذف بعض اللقطات الحاسمة قد أثر سلبا على البنية السردية للفيلم، خاصة تلك المتعلقة بشخصية نرجس وعلاقتها بإبراهيم وعشري. هذا الحذف أدى إلى تشتت السرد وتقليل عمق الشخصيات. بالإضافة إلى الحذف، هناك أيضًا ثغرات في السيناريو نفسه. بعض الأحداث تبدو غير منطقية أو غير مبررة، مما يضعف مصداقية القصة ويقلل من تأثيرها على المشاهد. شخصية نرجس على سبيل المثال، كانت تحمل الكثير من الإمكانيات لتطوير القصة، إلا أنها ظلت شخصية هامشية وغير مفهومة. علاقتها بإبراهيم وعشري، ودورها في الأحداث، كانت تحتاج إلى توضيح أكبر. بعض الشخصيات، مثل عبد الملك زرزور، تبدو متحركة بدوافع غير واضحة. هذا الافتقار إلى الدوافع الواضحة يجعل تصرفاتهم تبدو عشوائية وغير مقنعة. النهاية المفتوحة للفيلم، وإن كانت مثيرة للتفكير، إلا أنها تركت العديد من الأسئلة حول مصير الشخصيات ومستقبل الأحداث. رغم هذه النقاط السلبية، يبقى إبراهيم الأبيض فيلما يستحق المشاهدة والتحليل. فهو عمل فني جريء تناول موضوعات شائكة بطريقة صريحة ومباشرة. ومع ذلك، فإن هذه الثغرات تجعلنا نتساءل عما كان يمكن أن يكون عليه الفيلم لو تم تطويره بشكل أفضل.