فيلم "العذاب امرأة" كان بداية قوية في مشوار المخرج أحمد يحيى. بعد ما قضى وقت طويل كمساعد مخرج مع كبار السينما المصرية زي حلمي حليم، حسين كمال، ومحمد سالم، فقرر يطلع أول فيلم من إخراجه بنفسه. واضح إنه اتعلم كتير من تجاربهم، واللي بان في طريقة إخراجه اللي فيها نضج ووعي فني، رغم إنها كانت تجربته الأولى. اللي يميز أسلوب أحمد يحيى في الفيلم هو بساطة وهدوء التصوير، وتركيزه على الإنسان واللي بيحس بيه، من غير ما يغرقنا في المؤثرات أو الحركات الكثيرة. بنشوف تأثير حلمي حليم في بناء الدراما القوية، وحسين كمال في التعبير الحساس عن مشاعر الشخصيات، ومحمد سالم في الانضباط الفني في طريقة التصوير. لكنه في نفس الوقت مش بس بيقلد، ده حاول يخلق طريقه الخاص ويقدم سينما نظيفة وهادفة، بعيدة عن الإثارة الزائدة أو الأساليب السطحية اللي كانت منتشرة في بعض أفلام السبعينات. في اختيار القصة، تعاون مع الكاتب الكبير علي الزرقاني، اللي معروف بقدرته على تناول قضايا اجتماعية بطريقة راقية. قصة الفيلم مأخوذة من مسرحية عالمية اسمها "الأب" للكاتب السويدي أوجست ستريندبرج، اللي بتتكلم عن صراع في علاقة زوجية بين الزوج والزوجة، والشك اللي ممكن يهدم حياة الإنسان النفسية. لكن علي الزرقاني ما اقتبسش القصة بس، بالعكس، "مصر" القصة وحولها لدراما مصرية بامتياز بتعكس واقع الأسرة المصرية في السبعينات. بنشوف كيف الزوجة (اللي بتلعب دورها نيللي) بتلعب دور مش بس زوجة، لكن كمان قوة خفية بتأثر على زوجها (محمود ياسين) بطريقة نفسية بحتة، مش بالصراخ أو المواجهة، بل بالشك والتشكيك اللي بيبدأ يدمر الزوج من جواه. وهنا هنلاحظ أن الفيلم مقسوم لنصين واضحين: في النص الأول، بنشوف الحياة الزوجية بشكل طبيعي، حتى لو كان فيها حاجات مش متقالة، وكأن كل حاجة تمام. أما في النص التاني، فتبدأ الأحداث تتصاعد، ونشوف رحلة الزوج وهو بيغرق في الجنون وفقدان الذاكرة، ونفقد إحساسه بنفسه وبالناس اللي حواليه. أحمد يحيى أبدع في إخراج التمثيل، خاصة نيللي ومحمود ياسين، اللي قدموا أدوار مليانة مشاعر متضاربة بتعبر عن التوتر اللي جوه البيت من غير مبالغة. وده خلق جو إنساني حقيقي في الفيلم. كمان يحيى استخدم الموسيقى والأغنية بطريقة ذكية، مش مجرد فواصل موسيقية، لكن كأنها جزء من المشاعر اللي عايزين نوصلها، بتعبر عن حالة الشك، والحب اللي فقدناه، والجنون اللي بيغزو شخصية الزوج. استخدامه لموسيقى جمال سلامة مع لقطات طويلة وحركة كاميرا هادية خلى المشاهد يعيش الجو من غير ما يعتمد على الكلام كتير. والحاجة اللي كانت مفاجأة فعلاً هي دور نيللي، اللي كانت معروفة في وقتها بأدوار استعراضية خفيفة، لكنها هنا قدمت دور درامي معقد ومختلف جدًا، دور بيكشف عن شخصية قوية ومسيطرة لكنها ساكنة، وده أكسب الفيلم وزن إضافي. في النهاية، فيلم "العذاب امرأة" مش مجرد فيلم مقتبس، ولا تجربة إخراجية أولى ناجحة بس، لكنه عمل فني متكامل بيجمع بين قصة عميقة، وإخراج مدروس، وجماليات بصرية وصوتية، وأداء تمثيلي مميز. وأحمد يحيى أثبت إنه مش بس بيعمل فيلم، ده بيبني لغة سينمائية خاصة، بتحترم عقل ووجدان الجمهور، وبتوازن بين القيمة الفنية والجاذبية.