عام 1934 كان ميلاد الشاعر محمد الماغوط في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماه السورية، نشأ في عائلة شديدة الفقر و كان أبوه فلاحاً بسيطاً عمل أجيرة في أراضي الآخرين طوال حياته، درس بادئ ذي الأمر في الكتّاب ثم انتسب إلى المدرسة الزراعية في سلمية حيث أتم فيها دراسته الإعدادية، انتقل...اقرأ المزيد بعدها إلى دمشق ليدرس في الثانوية الزراعية في ثانوية خرابو بالغوطة، يذكر أن والده أرسل رسالة إلى الثانوية يطلب منهم الرأفة بابنه فقاموا بتعليقها على أحد جدران المدرسة مما جعله أضحوكة زملائه؛ الأمر الذي دفعه إلى الهروب من المدرسة و العودة إلى سلمية قام الماغوط بعد عودته إلى السلمية بدخول الحزب القومي السوري دون أن يقرأ مبادئه، و كان في تلك الفترة حزبان كبيران هما الحزب القومي السوري و حزب البعث السوري ، وهو يذكر أن حزب البعث كان في حارة بعيدة في حين كان القومي بجانب بيته وفيه مدفأة أغرته بالدفء فدخل إليه وانضم إلى صفوفه، لم يدم انتماؤه الحزبي طويلاً و قد سحب عضويتها في الستينات بعد أن سجن و لوحق بسبب انتمائه. وفي هذه الفترة عمل الماغوط فلاحاً و بدأت بوادر موهبته الشعرية بالتفتح فنشر قصيدة بعنوان "غادة يافا" في مجلة الآداب البيروتية. بعدها قام الماغوط بخدمته العسكرية في الجيش حيث كانت أوائل قصائده النثرية قصيدة "لاجئة بين الرمال" التي نُشِرَت في مجلة الجندي، وكان ينشر فيها أدونيس وخالدة سعيد وسليمان عواد، ونشرت بتاريخ 1 أيار 1951، و بعد إنهاء خدمته العسكرية استقر الماغوط في السلمية. كان اغتيال عدنان المالكي في 22 أبريل 1955 نقطة تحول في حياة الماغوط حيث اتُُّهِمَ الحزب القومي السوري باغتياله في ذلك الوقت ، ولوحق أعضاء الحزب، وتم اعتقال الكثيرين منهم، وكان الماغوط ضمنهم، و حُبس الماغوط في سجن المزة، و خلف القضبان بدأت حياة الماغوط الأدبية الحقيقية، تعرف أثناء سجنه على الشاعر علي أحمد سعيد إسبر الملقب بأدونيس الذي كان في الزنزانة المجاورة. خلال فترة الوحدة بين سورية ومصر كان الماغوط مطلوباً في دمشق، فقرر الهرب إلى بيروت في أواخر الخمسينات، و دخول لبنان بطريقة غير شرعية سيراً على الأقدام، و هناك انضمّ الماغوط إلى جماعة مجلة "شعر" حيث تعرف على الشاعر يوسف الخال الذي احتضنه في مجلة «شعر» بعد أن قدمه أدونيس للمجموعة وفي بيروت نشأت بين الماغوط والشاعر بدر شاكر السياب صداقة حميمة فكان كان السياب صديق التسكّع على أرصفة بيروت، وفي بيروت أيضاً تعرّف الماغوط في بيت أدونيس على الشاعرة سنية صالح (التي غدت في ما بعد زوجته)، وهي شقيقة خالدة سعيد زوجة أدونيس، وكان التعارف سببه تنافس على جائزة جريدة «النهار» لأحسن قصيدة نثر. عاد الماغوط إلى دمشق بعد أن غدا اسماً كبيراً، حيث صدرت مجموعته الأولى "حزن في ضوء القمر" (عن دار مجلة شعر، 1959)، التي ألحقها عن الدار نفسها بعد عام واحد بمجموعته الثانية "غرفة بملايين الجدران" (1960)، و توطدت العلاقة بين الماغوط و سنية صالح بعد فدومها إلى دمشق لاكمال دراستها الجامعية. وفي العام 1961 أدخل الماغوط إلى السجن للمرة الثانية و أمضى الماغوط في السجن ثلاثة أشهر، ووقفت سنية صالح وصديقه الحميم زكريا تامر إلى جانبه خلال فترة السجن، و تزوج الماغوط من سنية صالح عقب خروجه من السجن، و أنجب منها ابنتيه شام وسلافة. في السبعينات عمل الماغوط في دمشق رئيساً لتحرير مجلة «الشرطة» حيث نشر كثيراً من المقالات الناقدة في صفحة خاصة من المجلة تحت عنوان "الورقة الأخيرة"، و في تلك الفترة بحث الماغوط عن وسائل أخرة للتعبير من أشكال الكتابة تكون أوضح أو أكثر حدة، فكانت مسرحياته المتوالية "ضيعة تشرين" و "غربة"، وفيها أراد الماغوط مخاطبة العامة ببساطة دون تعقيد، و هو واحد من الكبار الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه جريدة تشرين السورية في نشأتها وصدورها وتطورها في منتصف السبعينيات، حين تناوب مع الكاتب القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية ، تعادل في مواقفها صحيفة كاملة في عام 1975 وما بعد، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب «أليس في بلاد العجائب» في مجلة المستقبل الأسبوعية، وكان لمشاركاته دور كبير في انتشار «المستقبل» على نحو بارز وشائع في سورية. كانت فترة الثمانينات صعبة وقاسية، بدأت بوفاة شقيقته ليلى أثر نفاس بعد الولادة و إهمال الطبيب والزوج عام 1984، ثم وفاة والده أحمد عيسى عام 1985نتيجة توقف القلب، و كانت أصعب ضربة تلقاها هي وفاة زوجته الشاعرة سنية صالح عام 1985 بعد صراع طويل معه ومع السرطان وهو نفس المرض الذي أودى بحياة والدتها و بنفس العمر وكانت نفقت العلاج على حساب القصر الجمهوري في مشفى بضواحي باريس حيث أمضت عشرة أشهر للعلاج من المرض الذي أودى بها، ثم وفاة أمه ناهدة عام 1987بنزيف حاد بالمخ، و قد تركت هذه المآسي المتلاحقة الأثر الشديد على نفسه و أعماله و كتاباته. في ظهيرة يوم الاثنين 3 نيسان 2006 رحل محمد الماغوط عن عمر يناهز 72 عاماً وذلك بعد صراع طويل مع الأدوية و الأمراض عندما توقف قلبه عن الخفقان و هو يجري مكالمة هاتفية. يعتبر محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي، كتب الماغوط الخاطرة والقصيدة النثرية، وكتب الرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي، و امتاز أسلوبه بالبساطة والبراغماتية و بميله إلى الحزن.
(حسب المشاهدات)
عام 1934 كان ميلاد الشاعر محمد الماغوط في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماه السورية، نشأ في عائلة شديدة الفقر و كان أبوه فلاحاً بسيطاً عمل أجيرة في أراضي الآخرين طوال حياته، درس...اقرأ المزيد بادئ ذي الأمر في الكتّاب ثم انتسب إلى المدرسة الزراعية في سلمية حيث أتم فيها دراسته الإعدادية، انتقل بعدها إلى دمشق ليدرس في الثانوية الزراعية في ثانوية خرابو بالغوطة، يذكر أن والده أرسل رسالة إلى الثانوية يطلب منهم الرأفة بابنه فقاموا بتعليقها على أحد جدران المدرسة مما جعله أضحوكة زملائه؛ الأمر الذي دفعه إلى الهروب من المدرسة و العودة إلى سلمية قام الماغوط بعد عودته إلى السلمية بدخول الحزب القومي السوري دون أن يقرأ مبادئه، و كان في تلك الفترة حزبان كبيران هما الحزب القومي السوري و حزب البعث السوري ، وهو يذكر أن حزب البعث كان في حارة بعيدة في حين كان القومي بجانب بيته وفيه مدفأة أغرته بالدفء فدخل إليه وانضم إلى صفوفه، لم يدم انتماؤه الحزبي طويلاً و قد سحب عضويتها في الستينات بعد أن سجن و لوحق بسبب انتمائه. وفي هذه الفترة عمل الماغوط فلاحاً و بدأت بوادر موهبته الشعرية بالتفتح فنشر قصيدة بعنوان "غادة يافا" في مجلة الآداب البيروتية. بعدها قام الماغوط بخدمته العسكرية في الجيش حيث كانت أوائل قصائده النثرية قصيدة "لاجئة بين الرمال" التي نُشِرَت في مجلة الجندي، وكان ينشر فيها أدونيس وخالدة سعيد وسليمان عواد، ونشرت بتاريخ 1 أيار 1951، و بعد إنهاء خدمته العسكرية استقر الماغوط في السلمية. كان اغتيال عدنان المالكي في 22 أبريل 1955 نقطة تحول في حياة الماغوط حيث اتُُّهِمَ الحزب القومي السوري باغتياله في ذلك الوقت ، ولوحق أعضاء الحزب، وتم اعتقال الكثيرين منهم، وكان الماغوط ضمنهم، و حُبس الماغوط في سجن المزة، و خلف القضبان بدأت حياة الماغوط الأدبية الحقيقية، تعرف أثناء سجنه على الشاعر علي أحمد سعيد إسبر الملقب بأدونيس الذي كان في الزنزانة المجاورة. خلال فترة الوحدة بين سورية ومصر كان الماغوط مطلوباً في دمشق، فقرر الهرب إلى بيروت في أواخر الخمسينات، و دخول لبنان بطريقة غير شرعية سيراً على الأقدام، و هناك انضمّ الماغوط إلى جماعة مجلة "شعر" حيث تعرف على الشاعر يوسف الخال الذي احتضنه في مجلة «شعر» بعد أن قدمه أدونيس للمجموعة وفي بيروت نشأت بين الماغوط والشاعر بدر شاكر السياب صداقة حميمة فكان كان السياب صديق التسكّع على أرصفة بيروت، وفي بيروت أيضاً تعرّف الماغوط في بيت أدونيس على الشاعرة سنية صالح (التي غدت في ما بعد زوجته)، وهي شقيقة خالدة سعيد زوجة أدونيس، وكان التعارف سببه تنافس على جائزة جريدة «النهار» لأحسن قصيدة نثر. عاد الماغوط إلى دمشق بعد أن غدا اسماً كبيراً، حيث صدرت مجموعته الأولى "حزن في ضوء القمر" (عن دار مجلة شعر، 1959)، التي ألحقها عن الدار نفسها بعد عام واحد بمجموعته الثانية "غرفة بملايين الجدران" (1960)، و توطدت العلاقة بين الماغوط و سنية صالح بعد فدومها إلى دمشق لاكمال دراستها الجامعية. وفي العام 1961 أدخل الماغوط إلى السجن للمرة الثانية و أمضى الماغوط في السجن ثلاثة أشهر، ووقفت سنية صالح وصديقه الحميم زكريا تامر إلى جانبه خلال فترة السجن، و تزوج الماغوط من سنية صالح عقب خروجه من السجن، و أنجب منها ابنتيه شام وسلافة. في السبعينات عمل الماغوط في دمشق رئيساً لتحرير مجلة «الشرطة» حيث نشر كثيراً من المقالات الناقدة في صفحة خاصة من المجلة تحت عنوان "الورقة الأخيرة"، و في تلك الفترة بحث الماغوط عن وسائل أخرة للتعبير من أشكال الكتابة تكون أوضح أو أكثر حدة، فكانت مسرحياته المتوالية "ضيعة تشرين" و "غربة"، وفيها أراد الماغوط مخاطبة العامة ببساطة دون تعقيد، و هو واحد من الكبار الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه جريدة تشرين السورية في نشأتها وصدورها وتطورها في منتصف السبعينيات، حين تناوب مع الكاتب القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية ، تعادل في مواقفها صحيفة كاملة في عام 1975 وما بعد، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب «أليس في بلاد العجائب» في مجلة المستقبل الأسبوعية، وكان لمشاركاته دور كبير في انتشار «المستقبل» على نحو بارز وشائع في سورية. كانت فترة الثمانينات صعبة وقاسية، بدأت بوفاة شقيقته ليلى أثر نفاس بعد الولادة و إهمال الطبيب والزوج عام 1984، ثم وفاة والده أحمد عيسى عام 1985نتيجة توقف القلب، و كانت أصعب ضربة تلقاها هي وفاة زوجته الشاعرة سنية صالح عام 1985 بعد صراع طويل معه ومع السرطان وهو نفس المرض الذي أودى بحياة والدتها و بنفس العمر وكانت نفقت العلاج على حساب القصر الجمهوري في مشفى بضواحي باريس حيث أمضت عشرة أشهر للعلاج من المرض الذي أودى بها، ثم وفاة أمه ناهدة عام 1987بنزيف حاد بالمخ، و قد تركت هذه المآسي المتلاحقة الأثر الشديد على نفسه و أعماله و كتاباته. في ظهيرة يوم الاثنين 3 نيسان 2006 رحل محمد الماغوط عن عمر يناهز 72 عاماً وذلك بعد صراع طويل مع الأدوية و الأمراض عندما توقف قلبه عن الخفقان و هو يجري مكالمة هاتفية. يعتبر محمد الماغوط أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي، كتب الماغوط الخاطرة والقصيدة النثرية، وكتب الرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي، و امتاز أسلوبه بالبساطة والبراغماتية و بميله إلى الحزن.