تعددت مهام أحمد عبدالله في فيلم « هليوبوليس»، إذ أخرجه وكتب قصته وتولى فيه المونتاج والسيناريو والحوار، وقد شارك هذا العمل سلفاً في مهرجان القاهرة السينمائي وحصل على جائزة، كذلك عُرض على هامش المهرجان القومي للسينما المصرية ... عن تجربته الأولى مع السينما المستقلة وسرّ إصراره على تقديمها التقينا عبدالله.
كيف بدأت علاقتك بالسينما؟
أنا «مونيتر» سينمائي عملت في أفلام روائية طويلة قبل أن أكتب وأخرج «هليوبوليس»، أول أفلامي الروائية الطويلة، كذلك عملت في عشرة أفلام سينمائية مع مخرجين مثل أمير رمسيس و عماد البهات و إبراهيم البطوط وغيرهم.
لماذا اخترت أن تكون أولى تجاربك السينمائية من نوعية السينما المستقلة؟
لأسباب عدة، أوّلها أنني رأيت من خلال خبرتي أن السينما التجارية تفرض قيوداً كثيرة على المخرج بعكس السينما المستقلة، كذلك أؤمن بأن الأفلام قليلة التكلفة التي تصوَّر بكاميرا ديجيتال صغيرة ووحدة مونتاج بسيطة قد يخرج منها فيلم يلقى قبولاً عالمياً، فالعبرة ليست في الإبهار.
لماذا اخترت منطقة مصر الجديدة للحديث عنها في «هليوبوليس»؟
لأنني عشت فترة فيها فكتبت عن ذكرياتي كتحية مني للزمان والمكان، لكني اكتشفت أن ما كتبته يعكس تغيرات كثيرة حدثت فيّ وفي القاهرة عموماً. باختصار هذا الفيلم تحية وداع لزمن كانت القاهرة فيه مختلفة عن تلك التي نعيش فيها الآن، إذ كانت تضم مصريين من الطوائف كافة وشخصيات ذات ثقافات متعددة.
لماذا لم يطرأ تطوّر على الشخصيات التي ظهرت في الفيلم؟
تسمح السينما المستقلة بالقيام بأمور مختلفة سواء في طريقة السرد أو التصوير، فاخترت المغامرة بكسر إحدى قواعد السيناريو وهي عدم تطوّر شخصيات الفيلم التي ظلّت ثابتة حتى النهاية وتكرّرت الأحداث نفسها مع الشخصيات عينها في اليوم التالي، وهذه هي أفضل طريقة لأؤكد بأن حياتنا لا تتطوّر.
ما الذي قصدته من شخصية العسكري الصامت الذي ظهر طوال الفيلم لا يفعل شيئاً سوى تناول الطعام والاهتمام بالكلب؟
لن أتحدّث عن مغزى الفيلم وأفضّل أن يفكّر الناس في الشخصية كي يصلوا الى المغزى الذي أريده منها بدلاً من التعامل مع الفيلم كقصة، وإذا فكّر البعض في هذه الشخصية سيجدها تدلّ على ضياع وقت طويل من دون أن نفعل شيئاً مفيداً.
لم تكن بين شخصيات الفيلم علاقة كما هو معتاد في معظم الأفلام، لماذا؟
يمكن اعتبار فكرة الفيلم فلسفية، إذ نجد أحدهم يمرّ بأحداث معينة وآخر يمرّ بأحداث أخرى، فإذا تحدّثا مع بعضهما قد يغيّر أحدهما شيئاً في حياة الآخر، بمعنى أن يكون لكل واحد منهما حل لمشكلة الآخر وهذا ما يحدث فعلاً في الواقع.
تردد أن الحوار بين الأبطال اعتمد على الارتجال، لماذا؟
لم يعتمد الحوار على الارتجال وإنما على ورشة تفاعلية بين الممثلين يشارك فيها كلّ منهم بخبرته ورؤيته للشخصية.
كيف ترى مقارنة الجمهور بين «هليوبوليس»، و{ عين شمس»؟
ربما لأن اسم كلّ منهما مقتبس عن اسم حيّ بعينه، وينتميان أيضاً الى السينما المستقلة، فظنّ الجمهور أن ثمة تشابهاً بين الفيلمين، لكن في الحقيقة هما مختلفان تماماً.
برأيك، كيف تجد الأفلام المستقلة مكانتها وسط المنافسة التجارية؟
من خلال اهتمام المنتجين والموزّعين بها وإعطائهم الفرصة للشباب لصنع هذه النوعية، إذ قد يصنع أحد فيلماً جيداً ولكن لا يجد دور عرض له، لذا فإن المسؤولية تقع على عاتق جهات الإنتاج التي عليها أن تتحمّس للأفلام المستقلة.
كانت مساحة أدوار الأبطال صغيرة، كيف استطعت إقناعهم بالمشاركة في الفيلم ؟
رشحتُ للفيلم نجوم شباك، ثم رأيت أنهم لم يفهموا فكرة الفيلم وكيفية التعامل معه، كذلك لم أكن أبحث عن نجم وإنما عن ممثلين تجمعني بهم لغة مشتركة، وهذا ما حدث بيني وبين خالد أبو النجا و يسرا اللوزياللذين أصوِّر معهما راهناً فيلمي الثاني.
لماذا اعتمدت على الصراع الداخلي وإخفاء المشاعر في تناول الشخصيات؟
لأن أزمات الناس جميعهم تكون داخلية قبل أن يفصحوا عنها ويطرحوها مع الشخصيات المحيطة بهم، ولأن مشاعر الإنسان الداخلية لا تظهر دائماً على وجهه. لماذا لم تكتب الفيلم كقصة لها بداية ونهاية وأحداث تتطوّر ويتابعها المشاهد؟
كنت أريد تقديم سيناريو مختلف من حيث عدم تطوّر شخصياته التي تنتهي مثلما تبدأ ومن دون جديد، وهذه هي الأزمة التي يتناولها الفيلم وكنت أرغب في أن يلتفت الجمهور إليها كوننا نعيش اليوم بالطريقة نفسها.
هل ترى أن هذه النوعية قد تلقى قبولاً جماهيرياً؟
لم أضع هذا الأمر في اعتباري، بل أهتم بتقديم فيلم صادق في موضوعه من دون أن أضع أمامي حواجز بيني وبين الجمهور، سواء ثقافية أو اجتماعية.
هل تعتبر أن مشاركة الفيلم في «مهرجان القاهرة السينمائي» وحصوله على جائزة ساعدا في تعريف الجمهور به وتحفيزهم على مشاهدته؟
بالفعل، كانت هذه المشاركة كنوع من الدعاية للفيلم، فضلاً عن أن مشاركته في «المهرجان القومي» أتاحت الفرصة أمام عدد كبير من الجمهور العادي لمشاهدته مجاناً.
ماذا عن فيلمك الثاني «ميكروفون»؟
أصوِّره راهناً مع خالد أبو النجا ويسرا اللوزي، وهو يتحدّث عن الفنانين المستقلين في الإسكندرية الذين يعملون في فنون الموسيقى المستقلة والرسم على جدران الشوارع وفي التمثيل من دون أن يبالي بهم الجمهور. كذلك يصوِّر الفيلم حياة هؤلاء معتمداً على شخصيات حقيقية تروي حياتها وأزماتها.
هل ستستمر في تقديم أفلام مستقلة؟
أنا مقتنع بأن الأفلام الجيدة لا تحتاج إلى ميزانية ضخمة، لكن لا أمانع تقديم أفلام تجارية إذا وجدت منتجاً يصرف على الفيلم بشكل جيد ومن دون قيود، سواء من ناحية الأبطال أو النجوم أو نوع السيناريو الخاص وغيرها من الأمور.