في فيلم « واحدة بواحدة» الذي اقتبسه وأخرجه « نادر جلال» عن فيلم أمريكي شهير، يتورط « عادل إمام» في اختراع اسم لمنتج وهمي لا وجود له، ويصبح هذا المنتج الذي اشتهر باسم «الفنكوش» مأزقًا حقيقيًا بعد أن سبق وجوده نزول الإعلان عنه.. الحقيقة أن لدينا -فيما أظن- أفلامًا «فنكوشية» يتم إنتاجها بهذه الطريقة التي تضع العربة قبل الحصان، وأرجح أن فيلمًا مثل « اللمبي 8 جيجا» الذي كتبه نادر صلاح الدينعن (قصة) لـ« محمد سعد» وأخرجه « أشرف فايق» قد خرج إلي النور بهذه الطريقة..
كانت هناك رغبة في عودة شخصية «اللمبي» إلي الأفلام بعد ظهورها ثلاث مرات من قبل في أفلام « الناظر» ثم « اللمبي» ثم « اللي بالي بالك»، ولكني أشك كثيرا في أن صناع الفيلم كان في ذهنهم شيء سوي عودة «الفنكوش» أو «اللمبي»، وربما في جلسة أو جلستين ظهر الفيلم كما رأيناه حيث لا رأس ولا قدمين ولا معني مع الحدّ الأدني من الضحك وبعض المشاهد والأصداء الباهتة جدا من فيلم «اللي بالي بالك».. ودائمًا هناك أغنية «محمد سعد» المقررة، ومشهدان يظهر فيهما أن لديه قدرات غير كوميدية، وأنه ممثل «كويس»، وعندنا مع هذه الوصفة التي فقدت بريقها « حسن حسني»، وهكذا أصبح لدينا «الفنكوش» من جديد!
أنا من الذين يصرون علي أن «محمد سعد» ممثل موهوب للغاية، كما أنني من الذين لمسوا براعة «نادر صلاح الدين» في مجال الكتابة الكوميدية علي تفاوت مستويات الأفلام التي كتبها، أما ما شاهدته في «اللمبي 8 جيجا» فلا علاقة له بأي شيء إلاّ بـ«الفنكوش» بالطريقة التي قمت بشرحها.. الفيلم ليس فانتازيا ولا خيالاً علميا ولا تخاريف ولا فوضي خلاّقة أو غير خلاَّقة، ولكنه أقرب ما يكون إلي عملية تجميع عشوائية ورديئة من «ريبرتوار» شخصية «اللمبي» في السينما، ولكنك تكتشف في النهاية أن الدور (إذا كان هناك دور) كان يمكن أن يكون لشخصية عادية وبسيطة وشعبية دون أن تكون «اللمبي» بالضرورة، وإن كل ما حدث -إذا كان هناك ما يمكن أن تسميه أحداثًا- كان يمكن أن يتم ببساطة ودون اختراع ساذج عجيب يتم من خلاله نقل ملفات السجلّ المدني إلي عقل «اللمبي»، وشحن رأسه بطريقة بدائية تثير الرثاء من فرط سذاجتها بـ«القانون الدستوري الجنائي» علي حد تعبير «اللمبي»..
والأعجب أن الشخصية التي اكتسبت شخصيتها من عشوائيتها شكلاً ومضمونًا ومن حياتها خارج المجتمع بالمعني الحرفي، ستتحول هنا بفعل الفبركة «الفنكوشيّة» إلي محامٍ يترافع أمام القضاء ويكسب القضايا!
أشك كثيرا في أن يكون «نادر صلاح الدين» قد حدّد فكرة لما شاهدناه، أحيانًا تكون المشكلة في أزمة «اللمبي» -الذي يبدأ كرجل يقود الزبائن إلي المحامين ويحصل علي عمولة- لأن زوجته المدِّرسة «نجلاء» - مي عزالدين- لا تنجب أطفالا، ولكنك ستكتشف أن هذا الخط الذي يتم تأكيده من خلال معايرة زوج أخت زوجته الذي يلعب دوره « ماجد الكدواني»، وتساهم أخت الزوجة التي تلعبها « انتصار» في تكريس إحساس «اللمبي» وزوجته بالفقر، هذا الخط سيظهر هامشيًا تماما ولا علاقة له بأي شيء إذ سرعان ما سيقع «اللمبي» علي رأسه بعد تزحلقه في قشرة موز عشوائية، وخلال دقائق قليلة سندخل في شيء من عجائب الدراما السبع، حيث يقوم طبيب مخ وأعصاب اسمه «أحمد الشواف» « يوسف فوزي» بإجراء عملية شحن عقل لـ«اللمبي» بأشياء مختلفة لندخل في حالة من الفوضي الشاملة التي لا معني لها: فإذا كان الهدف أن يصبح «اللمبي» محاميا ناجحًا فلا علاقة لما رأينا من مواقف بعد ذلك بهذا الشحن، المحامون ينجحون بذكائهم وليس بشحن القانون «الدستور الجنائي» علي حد تعبير الفيلم في عقولهم، والسذاجة التي لا نظير لها أن يتم شحن بطاقات السجل المدني في ذهن شخص أحمق لمجرد كسب قضايا تافهة يمكن أن يكسبها محام صغير، بل إن الحكاية كلها عبثية لأن «اللمبي» كما قدمه الفيلم ليس محاميا من الأساس، ولكنه يمتلك كارنيهًا مزورًا يجعله محاميا أمام النقض مرة واحدة، أما السخف نفسه فهو أن ينفعل «اللمبي» علي الطبيب صاحب الاختراع الساذج لأنه جعله يغش ويزور ويلجأ إلي شهود الزور كأن «اللمبي» صدق أنه محام، وكأنه لم يكن يستخدم كارنيهًا مزورًا طوال الوقت!
من أين أتي «نادر صلاح الدين» بهذا القدر من الاستخفاف بعقول الجمهور؟ وهل الخيال يعني المبالغات السقيمة التي تجعل رجلاً صعيديا يلعبه «حسن حسني» يقوم بدفع 5 آلاف جنيه «للمبي» المحامي المزيف لمجرد أنه نجح في تأجيل القضية؟ إذا لم يكن استخفافًا بالعقول أن يخطف الرجل الصعيدي اللمبي وزوجته لإجباره علي مواصلة القضية فماذا يمكن أن نسمي ذلك؟ ما هي مشكلة اللمبي بالضبط؟ هل مشكلته في عدم الإنجاب من زوجته؟ أم في أنه كبر ونسي أهله وحياته الماضية؟ أم إنه تمرد علي الرجل الذي قام بشحن رأسه بما يقدر بحوالي 8 جيجا من المعلومات؟ أم مشكلته في أنه فقد شخصيته الأصلية كما حدث بالضبط في «اللي بالي بالك» الذي قام بتأليفه «نادر صلاح الدين»؟!
الحقيقة أن صناع الفيلم لا يعرفون مشكلة بطلهم. هم لا يعرفون إلا شيئا واحدًا هو أن يصنعوا فيلمًا عن «الفنكوش»، أما ما هو «لفنكوش» وكيف يصنعونه فعند الكتابة ثم التصوير يحلها ألف حلال!
ولكنه الكارثة الأكبر في اللمبي 8 جيجا في محمد سعد نفسه الذي كان يسد بحضوره وارتجاله الثغرات الواسعة في إعلامه هنا أيضا نقلت بعض الإيفيهات والضحكات ولكن بدرجة قليلة مقارنة بامكانيات «سعد» أو بشخصية غرائبية مثل «اللمبي»، وبدا أحيانا أن هناك إفلاسا حقيقيا في الابتكار أو حتي الارتجال لدرجة اللجوء إلي اللعب بالأسماء علي طريقة أفلام الأبيض والأسود، «حسن حسني» مثلاً اسمه الكامل في الفيلم «وهدان حلقوله زيرو جلط ملط» و« ميسرة» التي تقوم في الفيلم بدور امرأة مشبوهة العلاقات اسمها «نبيلة الحايح بهنس جوهر» وعليك أن تضحك في كل مرة علي الأسماء لأن المواقف في معظمها ثقيلة وبطيئة الايقاع وبلا معني في جميع الأحوال.
لا يستحق الأمر أن أحدثك عن العناصر الفنية والممثلين، ولكنني أريد الحديث عن «محمد سعد» الذي مازالت أراه طاقة كبيرة تذكرني علي وجه التحديد بالراحل « أمين الهنيدي» خاصة في قدرة الاثنين علي أداء «الكاركترات» والارتجال من خلالها.. لعلها مناسبة أن أذكر «محمد سعد» أن «أمين الهنيدي» رغم موهبته التي لا شك فيها انطفأ سريعًا ربما لأنه - أيضًا - وقع في فخ الإعلان عن «الفنكوش» قبل أن يتم انتاجه بالفعل!