خواطر سينمائية وودي آلان يعطي درسا في السينما السياسية بلا سياسة

  • مقال
  • 11:38 صباحًا - 6 يوليو 2010
  • 2 صورتين



صورة 1 / 2:
وودي آلان
صورة 2 / 2:
وودي آلان

الكثير من القراء يعيب علي بعض الكتابات المتزنة بأنها متميعة‏,‏ هذا بالرغم من أن معظم تلك الكتابات لا تأخذ موقف مداهنة أو نفاق من مسئول كائن يكون أوحتي موقف محايد من الخلل الحادث علي الصعيد الدولي
والفجوة بين الشمال والجنوب والتي تأخذ في الكثير من الأحيان شكلا عسكريا وتدخلا مباشرا من قبل دول الشمال في سيادة دول الجنوب‏.‏ وذلك لأن الكثيرين يرون أن الموقف الواضح يجب أن يصاغ في مفردات من نوعية‏(‏ الخيانة ـ العمالة ـ الفساد ـ الديكتاتورية ـ صوت الشعب‏..‏ إلخ‏)‏ والتي من دونها تكون المواقف متميعة ومهادنة ولا يهم أن تقدم الكتابات التي تستخدم تلك المصطلحات تحليلا , أو حلا أو تقترح أي بدائل المهم أن تكون الحدة هي السمة الغالبة علي تلك الكتابات‏,‏ ولعل هذا هو سبب نجاح برامج التوك شو التليفزيونية والتي تعلم فيها الأصوات وتتعارك فيها الاتجاهات وكما يقول مصطلح تلك البرامج‏(‏ يسخن الجو‏)‏ فيرتاح الجميع و‏(‏يفش كل منا غله‏)‏ و ينام الجميع قرير العين ليبدأ من جديد يومه في جهنم الحياة ويعاود من جديد‏(‏ فش غله‏)‏ في المساء أمام التليفزيون‏.‏
لذا فإن السينما التي تحاول أن تكون جادة في مسار السينما المصرية‏,‏ التي يكثر فيها الغث علي الثمين‏,‏ تكثر فيها الصيحات والهتافات والصدمات الكهربية علي حساب درامية الفيلم وفنيته وأسلوبه السردي فتتراجع السينما أمام ثبات الموقف‏.‏

وودي آلان المخرج الأمريكي الذي رفض الكثير من الموزعين في مصر استقدام أفلامه وتوزيعها تحت دعاوي بأنه كوميدي لا يضحك علي أساس أن الكوميديا يجب أن تكون من نوعية كركرو اللمبي يا أنا ياخالتي , لكن الأهم من ذلك أن العديد من أفلام وودي آلان تقدم رسائل نقدية سياسية من خلال الكوميدية ولكن بأسلوب ناعم دون خطابية وهتاف‏.‏
وودي آلان يهودي يتم نقده من قبل العديد من الجمعيات اليهودية لرفضه استغلال محارق اليهود ابان حكم النازي لغرض سياسي من أجل ابتزاز الغرب ودعم الصهيونية‏,‏ وقد كان له موقف من قمع غزة والضفة ابان الانتفاضة أعلنه مع الممثل داستن هوفمان علي صفحات النيويورك تايمز سبب له الكثير من المشاكل‏,‏ الهجوم الحاد عليه جاء مع أحد مشاهد أفلامه الذي كان يتجادل فيه مع أمه‏(‏ حيث كان يلعب دور كاتب يهودي‏)‏ عندما قال لها‏:‏ ما الفرق بين يهودي ومسلم من البوسنة وزنجي من افريقيا فقالت له انهم لم يباد منهم‏6‏ ملايين في محارق هتلر مثلما حدث مع اليهود‏,‏ فكان رده‏:‏ـ وجدت الأرقام القياسية لكي تكسر في إشارة منه إلي أن المستقبل المظلم للبشرية مازال يخفي لنا جرائم أشد وطأة‏,‏ وهو أمر بالنسبة للمروجين لضحايا هتلر بمثابة معادة للسامية‏.‏
يقدم لنا وودي آلان درسا في السينما السياسية التي تتناول موضوعات سياسية بشكل غير مباشر من خلال فيلم الذي أنتج عام‏2003,‏ سيكون مفيدا لكل سارقي الأفلام والسيناريوهات المنتشرين في السينما المصرية اليوم بشرط أن تكون السرقة والنقل في منهج رسم الشخصية وليس نقلها نقلا مباشرا‏..‏
قد أكون تجاوزت بأحلامي أرض الواقع بعض الشيء‏,‏ حيث ان السارق أو الناقل لا يعرف مناهج أو أسلوبا سوي النقل المباشر وهذا لعدم قدرته علي رسم الشخصيات أصلا‏.‏
الفيلم يحكي عن الكاتب الكوميدي جيري الذي يعيش في نيويورك مع صديقته أماندا التي تهوي المسرح ويعاني الأمرين منها ومن والدتها العجوز المتصابية‏,‏ فهي تدخل في العديد من العلاقات تحت دعوي شعورها بالملل والبرود في علاقتها معه‏,‏ في حين أن أمها تفرض عليه الحياة معهما متصورة أنها من الممكن أن تكون مطربة شهيرة‏.‏ جيري يحضر جلسات للعلاج النفسي من أجل الخروج من مأزقه الشخصي علي أمل تحسين علاقته مع رفيقته‏,‏ شخصية المثقف المتردد التي قدمتها وودي آلان نفسه في فيلمه الشهير‏(‏ أني هول‏)‏ في السبعينيات‏.‏
لكن مع هذا الفيلم تظهر شخصية جديدة‏..‏ هي شخصية دوبل‏(‏ يقوم بالدور وودي آلان نفسه‏)‏ مدرس جامعي يهودي يشعر بالاضطهاد بلا سبب وصديق الكاتب الكوميدي في الفيلم‏,‏ فهو الوحيد الذي يسمع تعليقات من المارة في الشارع حول أن اليهود هم سبب كل الحروب‏,‏ كما أنه يقوم بتخزين السلاح للدفاع عن نفسه في السينما وهو يحمل بندقية في شخصية دوبل الأستاذ الجامعي المضطهد‏,‏ وهو يدرب صديقة الكاتب عليها‏,‏ في مشهد شديد الروعة يحاول دوبل ركن سيارته البورش الفخمة في الشارع ولكن شخصا ضخم الجثة يأخذ المكان قبله ويأخذ في سبه عندما يحاول الاعتراض فيرحل ويعود مرة أخري حاملا عصا يحطم بها زجاج السيارة التي أخذت مكان الانتظار منه قبل أن يخرج أصحابها من الداخل للدفاع عنها‏.‏
وهنا يشير وودي آلان إلي كيف أن شخصا ضئيل الحجم يبدو للجميع مسالما من الممكن أن يتحول إلي شخص عنيف يقوم بتدمير واتلاف ممتلكات الغير بالرغم من تفوقهم عليه جسمانيا‏,‏ وأن ما قد يبدو أنه ضحية ليس سوي المجرم الفعلي برد فعله غير المتوازن الشديد العنف‏.‏
في نهاية الفيلم يقوم وودي آلان بجعل دوبل يرتكب جريمة قتل شرطي لمجرد أنه أحس بأنه يسخر من يهوديته مع زميله عند ايقافه في كمين روتيني للتحقق من أوراق السيارة‏,‏ حيث يعود دوبل إلي المنزل ويحضر بندقيته بحثا عن الشرطيين اللذين يعتقد أنهما سخرا منه فلا يجد سوي أحدهما فيطلق عليه الرصاص ويرديه قتيلا‏.‏
شخصية دوبل تلك كتابها ودي آلان بعد أحداث سبتمبر في اشارة واضحة بيهوديتها إلي دولة إسرائيل التي تصدر للغرب إلي أنها دولة صغيرة ومضطهدة وسيتم التهامها من قبل المحيط العربي الذي يحيط بها ولكنا هي المعتدية الأعظم‏,‏ مثلها مثل دوبل الذي يكون رد فعله عنيفا علي أعمال لا تستدعي كل هذا العنف‏,‏ بل ان بتحول دوبل إلي قاتل في نهاية الفيلم لمجرد أحساسه بأنه قوبل بنكات معادية للسامية من قبل شرطيين دورية‏,‏ وصم دعاوي مناهضة معادة السامية بقدرتها علي ارتكاب العديد من الجرائم‏(‏ قتل تصل لحد أزهاق الأرواح‏)‏ بدعوي الاضطهاد‏.‏
هذا هو وودي آلان الذي يقدم موقفا سياسيا من خلال بناء درامي متماسك وفي قالب كوميدي يقدم من خلاله درسا في كيفية كتابة الدراما وعلي من يأتي بمثله أن يتقدم وعلي كتاب القافية وسارقي الأفـــلام الامتناع‏.‏

وصلات



تعليقات