تردد في بعض الصحف علي ان مشاركة الفيلم الجزائري حراقي في المسابقة الرسمية لمهرجان الاسكندرية السينمائي الدولي السادس والعشرون الذي يختتم فعالياته اليوم الأحد التاسع عشر من سبتمبر , هو خطوة نحو تحسين العلاقات المتوترة بين مصر والجزائر , وقد تم عرض الفيلم في اليوم قبل الاخير من إختتام المهرجان بحضور ضعيف من الجمهور المصري , الي جانب بعض من الحضور الاجانب و لم يحضر أي من ابطال الفيلم أو مخرجه الجزائري مرزاق علواش , هذا الحضور الذي كان سيعطي معني وقيمة لما أسماه البعض محاولة للتقريب بين الجمهور المصري والجمهور الجزائري وهذا ما كان سيتحدث عنه الاعلام وليس عن عرض الفيلم الذي لم يحظي بأي تغطية إعلامية .
نعود للفيلم الذي يناقش بشكل محدد طموح الشباب الجزائري في الهجرة الي اوربا عن طريق البحر , وحراقي وهو اسم الفيلم مصطلح منتشر في دول المغرب العربي والحراقي هم المهاجرون الغير شرعيون اللذين يحرقون الحدود بين بلادهم وبين اوربا وخصوصا اسبانيا التي تقترب من مدينة مستغانم الجزائرية ومن مدينة طنجة المغربية , والتي اليها يسعي دائماً الاف من الشباب نحو حلمهم بالعيش في اوربا , وتحقيق حلم الثراء أو للهروب من أوضاع أخري أكثر قسوة موجودة في بلادهم الأصلية , كغياب الحرية او انتشار الفقر والظلم والبطالة الخ , وهي جميعها نفس المشاكل والهموم التي تتعرض لها معظم دول العالم الثالث الذي تحكمه أنظمة عتيقة لا تتفهم وعي الشباب وحدود امكانياتة , فالمخرج في نهاية الفيلم وضع قائمة لمحصلة الشباب العربي الذي فقد غرقا علي مدار سنوات , ولم يقتصر الامر فقط علي الشباب المغربي او الجزائري بل والمصري ايضا كما ذكرت الاحصائيات , بالاضافة الي بعض من شباب افريقيا واسيا , اذا فهذا الحلم الزاهي الذي يغري عقول وقلوب الشباب ينقلب في النهاية الي محرقة جماعية تجرفهم نحو مجهول لا نهاية له , فإما يسجنون او يغرقون او يقتلون خوفا من ان يقعوا في يد الشرطة ان كشف امرهم يوماً ما .
تناول المخرج حلم بعض الشباب في مركب صغيرة تنقلهم في الخفاء نحو الشاطيء الاسباني في رحلة الي المجهول , لم يستطع الفيلم توثيق الكثير من الألم الحقيقي والواقع الذي ينتظر هؤلاء المهاجرون في هذه الرحلة مطموسة النتائج رغم سقوك بعض منهم اثناء الرحلة , فهي مغامرة يعلم مخاطرها مرتاديها ولكنهم رغم ذلك يصرون علي غوضها , والغريب ان المخرج قدم ايضاً ردود الفعل لأسر هؤلاء الشباب بشكل ايجابي يدفعهم فيه ابائهم الي خوض هذه المخاطرة , او بسلبية الاستسلام لواقع محلي لن يتغير فما يسع الاباء الا ان يتركوا ابنائهم يشقون طريقاً نحو الضوء الذي تعكسه كل رفاهية الجانب الأخر الاوربي , من خلال شخصية ايمان التي ترفض الانفصال عن اخيها الذي ينوي الهجرة الي اسبانيا مع اصدقائه , وتقرر مرافقته رغم معارضته لها ومحاولاته المتكررة ان يرجعها عن هذه الفكرة , لكنها ترفض ان تتركه وتصر علي مرافقته , ويتركا والدتهما , ويترك صديقهم والده وعائلته الذي يشجعانه علي المضي وراء بقعة الضوء الزاهية , ولكن النهاية الدرامية الطبيعية هي اما الغرق او الوقوع في يد الشرطة بعد اجتياز رحلة طويلة من المعاناة النفسية والجسدية .
قدم المخرج حالة درامية مكثفة في هجره الشباب دون ان يضع يده علي دوافع هذا القرار المأساوي , فالمظهر العام للمستوي الاجتماعي الذي جاء منه بعض من هؤلاء المهاجرون لم يكن مظهر اجتماعي متدني , ولكن بعضهم جاء من مستوي الي حد ما متوسط فما هي دوافع هذه الهجره ان لم تكن بسبب معايشتة الشباب للفقر الدائم والظلم القائم عليهم ؟ , فالمخرج لم يلقي باللوم فقط علي غياب العدالة الاجتماعية بين شعبه ولكنه تعرض ايضا لغريزة الطمع وشهوة التقليد الاعمي التي اجتاحت أخلاق كثيرين .
هذا هو الفيلم الثاني الذي عرض في دورة هذا المهرجان والذي يتعرض لمشكلة الهجرة العربية الغير شرعية الي بلاد اوربا , بعد عرض فيلم المنسيون للمخرج حسن بنجليون , وفي انتظار عرض فيلم مرحبا للمخرج الفرنسي فيليب ليوريه وهو ايضا يتناول هجرة فتي عراقي الي فرنسا للبحث عن حياة أخري مع صديقتة التي هاجرت الي انجلترا .
المخرج الجزائري مرزاق علواش , من مواليد الجزائر عام 1944 , عمل كمساعد مخرج مع المخرج محمد سليم ثم قدم فيلمين تسجيليين قبل أن يكتسب شهرة عالمية من خلال فيلمه الأول " عمر قاتلاتو " الذي كتبه وأخرجه وحصل عنه علي الجائزة الفضية في مهرجان موسكو عام 1977 , منذ ذلك الحين قام بكتابة واخراج سبعة عشر فيلماً من بينهما , أهلا يا أبن العم 1996 , شوشو 2003 , باب الويب 2005 .