بدأت الجموع تتدفق تباعاً منذ السابعة مساءًا لحضور حفل السيدة فيروز ليل أمس بمجمع البيال وسط بيروت. كانت السعادة ترتسم على الوجوده، فمن حضرها سابقاً كان مشتاقاً للحظات الخشوع في حضرة صوتها الملائكي، ومن لم يحضرها سابقاً كان الترقب والحماس لسان حاله.
قسم الدخول عبر بوابتين الأولى للبطاقات العادية، والثانية لبطاقات الـ "VIP". كان التنظيم عالياً، والحراسة مشددة، منع دخول الكاميرات، واجهزة الهاتف المحمول، أو أية وسيلة يمكن من خلالها تسجيل الصوت أو الصورة.
عرس كبير
وكأن لبنان كان يستعد لعرس كبير، فوحدها فيروز قادرة على أن تحشد هذا العدد الكبير من الحضور على ليلتين متتاليتين، وثلاث وأربع لو أرادت.
غياب رسمي عن الحفل
غياب المسؤولين عن الحفل شكل علامة إستفهام كبيرة، لكن بعض الحضور علق "ربما غابوا خشية من أن تسرق منهم الضوء".
وآخرون قالوا: "زعامة فيروز في لبنان أرسخ من أي زعامة أخرى، هي باقية وهم سيرحلون، وولاء اللبنانيين لفيروز يفوق ولاءهم لهذا الفريق أو ذاك، فيروز وحدها قادرة على جمع اللبنانيين تحت سقف واحد، يصدحون بصوت واحد، مرددين أغنياتها".
ما سرها؟ لم هذا الحب والولاء يتجدد لها، جيلاً بعد جيل؟
سؤال تجد الإجابة عليه بمجرد أن تطل من وراء الستارة... يقف الحضور، تصفق إياديهم لها بحرارة، وتحييها حناجرهم، تسير بشموخ تحيط بها هالة الضوء، تقف بهيبة، ووقار، ينساب صوتها العذب وقد صقلته السنين، فبات لذيذاً ومسكراً كالخمر المعتقة.
إنها ببساطة فيروز، حالة لن تتكرر، ونحبها لأنها وحدها تختزل كل مشاعرنا، وتعبر عن مجمل إنفعالاتنا، ترسم صوراً إرتبطت بماضينا، وتتنبأ بحاضرنا، ترفعنا الى أعلى درجات الحبور والفرح، حتى لو كانت كلمات أغنياتها في بعض الأحيان لا تخل من سخرية سوداء.
فيروز وحدها قادرة على أن تنسيك الإحساس بالزمان والمكان، تأخذك الى بعد آخر ، تتمنى معها أن تطول اللحظة، تستمر، ولا تنتهي.
لا ندري إن كان مقصوداً أن يكون الجزء الأول من الحفل يحمل توقيعها وزياد فقط، وكأنها تقول "أنا فيروز، بنتاجي الجديد حاضرة، وقادرة على أن أكتفي به".
وإعتقدنا كما إعتقد كل الحضور أن الليلة لن يحضر فيها عاصي ومنصور، لكنها خالفت كل التوقعات في الجزء الثاني من الحفل عندما غنت بعضاً من إرث الراحلين.
معها تحتار أيهما أجمل جديدها أم قديمها؟
إفتتحت الحفل بأغنية "سلملي عليه" وكانت الأمواج البشرية تحييها وقوفاً، وتصفق بحرارة، وتردد حناجهرهم الكلمات، وكأنها صلاة. وزاد الحماس والتفاعل عندما شدت "كيفك إنت"، وإتبعتها بـ "إشتقتلك".
غادرت لتتركنا مع الكورال والفرقة الموسيقية وهم يستحضرون زياد الرحباني ،الغائب عن الحفل لأسباب صحية، بأغنياته من أداء الكورال ، حيث قدموا أغنيتي "نشكر الله عنا بيانو"، و"راجعة بإذن الله"، لتعود بعدها وتطل علينا "جارة القمر" من جديد وتغني من جديدها الرائع "يا ضيعانو" و"الله كبير" و"ايه في امل.
تغادر مجدداً لينشد الكورال لزياد "بما إنو" و"عايشة وحدها بلاك"، وتعود فيروز لتطل علينا مجدداً وصوتها يصدح من جديدها مجدداً "ما شاورت حالي"، ثم تتبعها بـ "عودك رنان" لتضج الصالة ويرافقها الحضور غناءًا وتصفيقاً.
في الجزء الثاني بعد إستراحة إستمرت ربع ساعة، أخذتنا فيروز في جولة منتقاة من نتاج الرحابنة عاصي ومنصور فصدح صوتها الجميل بـ "وطي الدوار"، و"يا ليت انت وأنا بالبيت"، والطاحونة" و"بيت وأوضة منسية"، و"حمرا سطيحاتك"، و"بعدنا"، وقلتلك شي" لتختم بـ "أمي نامت ع بكير".
وحالة النشوة لدى الحضور كانت قد وصلت الى أقصاها، غادرت لكن الجمهور أبى أن يرحل، وهو يدرك أنها ستعود لتحييه مجدداً، فهي تعلم جيداً بأنه طماع ويريد المزيد، وهو يعلم بأنها لن تبخل عليه.
عادت لتكرر "أمي نامت ع بكير" وتودعنا بوعد بأنها ستعود لتقف معنا في الغد مرددة "بكرا برجع بوقف معكن" كان هنا الجمهور قد وصل الى أقصى درجات التفاعل التي تعجز عن وصفها الكلمات.
وغابت وراء الستارة .... وخفتت الأنوار لحظات ... ليعود الضوء يغمر الصالة مؤذناً بالنهاية...