هنَاكقصّة شهيرة عن ساعة " أحمد مظهر" التيحَرمت فيلم " الناصر صلاح الدين"ل يوسفشاهين من الوصول إلى سانتا مونيكا لأجلِالتنافس على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبيضِدّ أربعة أفلام أُخرى ، حِكايات أخرىأقل شُهرة عن اقتراب فيلم " أمالعروسة"ل عاطفسالِم ، أو الفيلم التّونسي "باباعزيز" لناصرخميري ، أو اللبناني " بيروتالغربية"ل زياددويري ، وأخيراً " سهرالليالي"للمَصري هاني خليفة الذي وَصل للتصفيّات الثانيةضِمن عشرون فيلماً ، ولكن تبقى الحقيقةالمُثيرة للانتباه :عبرأكثر من نِصف قرن لم تستطع أي دولة عربيّة– باستثناء الجزائر وفلسطين – الوصوللترشيح أوسكاري عوضاً عن الفوزِ بها.
وقديكون السؤال المُهم هُنا ، لماذا الجزائروفلسطين تحديداً ؟ ، والإجابة ..أنّالأمر في الترشيح لا يتعلّق فقط بجودةالفيلم أو الإنتاج ، ولكن يتعلّق كذلكبتوجُّهات العَمَل ومدى مواءمته للنظرةالليبراليّة التي تنتهجها الأكاديميّة، وأخيراً – وربما بالأهم -ثُقلالدّول المُشاركة في الإنتاج وقدرتهاعلى الدعاية للفيلم إعلاميَاً قبل وصولهللمصوّتين ، لذلك فإن الجزائر قد ذهبتهناك في أربعة ترشيحات بصُحبة فرنسا ،وفلسطين ذهبت في فيلم المُخرج هاني أبوأسعد " الجنةالآن– 2005"بِصُحبةألمانيا وهولندا بل وإسرائيل التي شاركتفي إنتاج الفيلم ، في أفلامٍ دارت أغلبهاحول نبذ العنف والحرب والمَيْل للسلام.
ولعلّتِلك المُقدّمة كانت ضروريّة قبل النظرللأفلام الثلاثة العربيّة التي احتوتهاالقائمة الأولى لأكاديميّة العلوم والفنونالأمريكية (الأوسكار) ضِمنخمسة وستون فيلماً ، سيصل خمسة منهم فقطللحفل الذي سيُقام في مارس القادم ، وهيَضروريّة لمحاولة رؤية فرصة كل منهم للترشيح .
(1)
رشيدبوشارب..كلاكيتثالث مرّة ؟؟
رُشّحتالجزائر للجائزة أربع مرّات ، الأولى فيالفيلم الشهير "Z"وكانمن إخراج يوناني هُو كوستا جافراس ،والثانية كانت عن فيلم "Lebal" منإخراج إيطالي هُو إيتوري سكولا ، الثالثةوالرابعة كانا عن طريق مُخرج جزائري الأصلهُوَ "رشيدبوشارب" ..عام1995 عنفيلم "غُبارالحياة" ،وعام 2006 عنفيلم "بلديون"الذيتناول فيه تَضحيّات الجنود العرب منالشمال الأفريقي الذين انضمُّوا للجيشالفرنسي لتحرير فرنسا من الاحتلال النازيأثناء الحرب العالميّة الثانية ، ويُنافسرشيد هذه المرّة بالمُرشح الرسمي للجزائرفي الأوسكار " خارجالقانون"وهوالفيلم الذي أثار جدلاً كبيراً في الأوساطالفرنسيّة عند عرضه في مهرجان كان الماضي .
الفيلمالجديد لرشيد بوشارب يُعَدُّ استكمالاًلثلاثيّة "التاريخالجزائري غير المروي"كمايُسمّيها ، بدأها مع بلديُون واستمرّتفي "خارجالقانون"كَجُزءثاني ، بوشارب يتناول هذه المرة العنفالفرنسي أثناء فترة احتلال الجزائر ، عنطريق ثلاثة أخوة يَرون أن المقاومة هيالطريقة الوحيدة للاستقلال ، ويأسّسُواحركة كفاح مُسَلّح ضد الفرنسيين ، فيُقرّرالمسئولون الفرنسيُّون تأسيس فرقة سلاحمُضادة غير رسميّة باسم "اليدالحمراء"للتصدّيلـ"الإرهابالجزائري"بإرهابمُضاد بكل الوسائل ، حتى لو أدّى ذلك لقتلالمدنيين ، وهو ما نتج عنه مذبحة سطيف عام1945 ،قبل أن ينتهي الفيلم باحتفال الجزائريينبعيد الاستقلال عام 1962.
.تعرّضرشيد بوشارب للكثير من الهجوم ، وتحديداًمن اليمين الفرنسي الذي هاجم الفيلمومُخرجه بضراوة حتّى من قبل عرضه ، حيثُذكر النائب البرلماني عن حزب الإتحاد"ليونيليوركا" أن "الفيلميزوّر التاريخ ويؤجج مشاعر الكراهية دونداعي" ،ولكن رشيد عَلّق على كل هذا بهدوء قائلاًأن "الفرنسيينتقبّل فكرة أن يروي الجزائريين قصّتهمبأنفسهم".. مُفسّراًفي تصريحاته السبب الذي دعاه إلى إخراجالفيلم : "قولالحقيقة كاملة عن حقبة الاستعمار الفرنسيللجزائر مهم لمصالحة الشعبين مع تاريخهماالمشترك ، لأن الأمور ستحل والعلاقاتستتقدم عندما يتم التطرق للتاريخالاستعماري، وبشكل كامل، حيث يمكن بعدذلك يمكن للعلاقات بين الشعبين أن تنتقلالى مرحلة جديدة".
السؤالالآن ، هل يستطيع فيلم بوشارب الوصولللترشيح دُون مُباركة من فرنسا ؟ ، فيلم"بلديون"كاناحتفاءً بالمبادئ الليبرالية ورفض الحروب، أشبه بقول الجميع "الجزائر/ فرنسا/ أمريكا"أنهمضِد النازيون وما مثَّلوه في التاريخ ،ولكن الترشيح تلك المرّة قد يعني الإقراربما يقوله رشيد في فيلمه وإدانة فرنسا عنجرائم شنيعة في حق الشعب الجزائري ، وهُو– في رأيي -موقفلن تتخذه الأكاديميّة رغم القيمة الفنيّةالرفيعة للفيلم .
(2)
رسائل داوود عبدالسيّد التي لن تصل لأمريكا
الفيلم الثاني الذي ضمّته قائمة الخمسة وستون فيلماً هو " رسائل البحر" للمُخضرم داوود عبد السيّد ، وهو الفيلم الوحيد ضمن الثلاثة الذي يدور بعيداً عن السياسة ، ويحكي قصّة إنسانيّة عن الطبيب "يحيى" الذي لديه مشاكل في النّطق تجعله عاجزاً عن التواصل طوال حياته ، ويقرّر عند هجرة أهله أن يُسافر إلى الأسكندرية كي يبدأ حياته من جديد ، وهُناك يتعرّف على شَخصيّات تَرسم مصيره ، الحَبيبة "نورا" والصديق "قابيل" الذي يَكتشف من خلالهم عالماً لم يره من قبل
كما يحدُث مع مصر في كُل مرة ، تكتفي لجنة مُشاهدة التي تكوّنها وزراة الثقافة بترشيح الفيلم ، ولكن دونَ مُتابعة أو دعاية حقيقيّة له بداخل أمريكا ، وقد سَبق لداوود أن كان فيلمه " أرض الخوف" هو المُرشّح المصري الرسمي عام 2000 ، ولكن لم يحظَ بمُتابعه جيّدة فخرج من التصفيَة الأولى ..
ولكن بصرف النظر حتّى عن ذلك ، ففيلم داوود يبدو "غير مؤهل أوسكارياً" لأن ينال ترشيحاً ، فهو فيلم هادئ على النّمط الأوروبي ، مُنفصل – بقصدٍ – عن زمنه ومكانه ، ويدور في إطار الحنين للماضي ، ولا يدّعي أنه يتناول قضيّة كبيرة تَهُمّ العالم ، وكُلها أمور لا تفضلها الأكاديميّة في اختياراتها ، ولو كانَ هذا الفيلم قد عُرض في مهرجان دولي كبير – وتحديداً كَان ، برلين ، فينيسيا – قبل عرضه تجارياً ، فربما كانت فرصته أكبر في أن ينال تكريماً ، ولكن رسائل داوود عبد السّيد التي كانت لتصل إلى أوروبا عبر البحر المُتوسّط .. لن تستطيع الوصول لأمريكا .
(3)
" ابن بابل" .. ما لم يُحقق بالسياسة يُحقق بالسينما !
الفيلم العربي الثالث هُوَ الأقرب للوصول بمقعد من وجهه نظري ، "ابن بابل" الذي يُمثّل العراق بمخرجه الشاب " محمّد الدرّاجي" ، يَدور حول صَبي في عمر الثانية عَشر وجدّته الكرديّة يبحثان عن "الأب/الابن" إبراهيم المفقود مُنذُ حرب الخليج في سجون الرئيس العراقي السابق "صدّام حسين" ، وتمتد بهم الرحلة عبر العراق إلى بغداد ثم الناصريّة ثم صحراء ومقابر جماعيّة ، في هجائيّة سياسية مُباشرة للنظام السابق
الفيلم لا يتحدّث عن أمريكا مباشرةً ، ولكنه يُجَمّل وجهها حينَ يُسبب – دون أن يقول ذلك – حرب العراق في 2003 ، فيجعل الخلاص من النظام السابق غاية يمكن من خلالها تبرير كُل شيء ، ومن خلال حَبكة وقصة بحث مؤثّرة ، واستعراض – جميل بصرياً – للعراق وتأثّرها بالحروب ، فإن فيلم محمّد الدراجي يبدو قريباً من الترشيح ، بخاصة أن الأمور التي تؤخذ عليه كالاستدرار العاطفي ومحاولة المُبالغة في مأساوية الحدث ، هي أمور لن تستوقف الأكاديميّة ولن تستوقف الجمهور الغربي بشكل عام ، وهو ما أكّد عليه تصفيق الجمهور الألماني عقب عرض الفيلم في مهرجان برلين الماضي ..
كذلك فإن مَنح مجلّة "فاريتي" الأمريكي لمحمد الدرّاجي جائزة "مُخرج الشرق الأوسط" أثناء مهرجان أبو ظبي ، يُعبر بشكل واضح عن تحيز ورضا إعلامي أمريكي عن الفيلم ، وبخاصة حين تصفه المجلّة بأنه "المُخرج الأكثر اجتهاداً في المنطقة ، ويقدم أفلاماً تجعلنا ننظر للعالم من منظور مُختلف" ، كُل هذا يجعل من "ابن بابل" الفيلم العربي الأقرب للوصول لترشيح الأوسكار مُمثلاً للعراق في حَدث تاريخي .