تعريف الرقابة اللغوي هو "عملية مستمرة متجددة، يتم بمقتضاها التحقق من أن الأداء يتم على النحو الذي حددته الأهداف والمعايير الموضوعة، وذلك بقياس درجة نجاح الأداء الفعلي في تحقيق الأهداف والمعايير بغرض التقويم والتصحيح".
وللرقابة تصنيفات عديدة منها الرقابة على الأغذية والأدوية والأداء البيئي وهذه التصنيفات تتواجد بصورة فاعلة في المجتمعات المتقدمة، أما الرقابة على الإبداع فلا تتواجد إلا في تلك الدول المتخلفة التي تعاني قهورا واإستبداداً، ليتحول تعريف الرقابة فيها إلى " أداة يستعملها الحاكم أو الآمر للقنع والكبت ومنع المبدع من توصيل فكره للعامة، حرصاً على مصلحته الشخصية".
والرقابة في مصر عبارة عن كيان تم تفعيله ما بعد ثورة يوليو لمنع أي أفكار مضادة للنظام الوليد حرصاً على نجاح تلك الثورة، وما لبث أن تحول لأداة في يد ديكتاتور لقتل ووأد أي حلم لمبدع يفكر في غير تأليه الحاكم أو عرض ما تعانيه البلاد.
واستمرت إلى أن تحولت أخيراً في نظر القائمين عليها إلى أداة لحماية أمن مصر العام وسمعتها وكذلك صورتها الطيبة في عيون العالم.
أعتذر عن تلك المقدمة الطويلة جداً التي دفعني إليها قراءتي لسيناريو فيلم "لامؤاخذة" للفنان عمرو سلامة، والذي رفضته الرقابة "الحريصة" و"الحويطة" حرصاً على الصالح العام وخوفاً من تكدير صفو المجتمع المصري الرائق بفيلم يتحدث عن التمميز الطائفي المتنامي بعنف في هذا المجتمع، الذي قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه إذا لم نستفيق ونبحث في جذوره وأسبابه لعلاجه.
قام المخرج والكاتب عمرو سلامه بدوره كمبدع ودور السينما كأداة لتعرية المجتمع وكشف عيوبه، وقدم السيناريو الذي يدور حول طفل مسيحي تجبره ظروف ما على الالتحق بمدرسة حكومية بعد أن أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة أجنبية، فيجد نفسه مضطراً لاخفاء دينه عن مجتمعه الجديد حرصاً على الاندماج فيه، قصة بسيطة جداً ولكنها رائعة، تكشف من خلال مجموعة من الاطفال - بالاضافة الى مدرسيهم - الحال الذي وصلنا إليه من تقييم لاعب الكرة بناء على تدينه لا مهارته، وتقييم الانسان بناء على حجم "زبيبة" الصلاة في وجهه دون النظر لأخلاقه.
ولكن رقابتنا الحصيفة رفضت السيناريو، الذي رأت فيه ما لا يحتمله مجتمع يلتهب الان بأحداث عنف طائفي، يشير البعض إلى أن يد خارجية تعبث فيه لمصلحتها الخاصة، وبعلم كل مواطن في بر مصر أن هناك ما في النفوس، والذي يتنامى منذ أول حادث عنف طائفي سنة 1972.
رفضت الرقابة فيلم "لامؤاخذة" لأن عمرو سلامة بلا ظهر يحميه، ولأنه كتبه إحساساً بالوطن وبدور عليه أن يلعبه، ووافقت على أفلام من نوعية " أحاسيس" و" بون سواريه" على الرغم من أنها أفلام تستحق محاكمة صانعيها ومن سمحوا بها، لأنها لا تعد إبداعاً يؤخذ ويرد عليه، بل تدميراً لوعي جيل بأكمله وكذلك حسه الفني.
"لا مؤاخذة يا رقابة أشوف فيكي يوم من أيام تونس"