اعتادنا فى بلادنا ان الكوميديا قالبا او اطار دراميا يفتقد امكانية توجيه الرسائل و العظات لمشاهدين السينما حتى ان نجوم الكوميديا عندما يبحثون عن اسمى اهداف الكوميديا لا يجدون سوى تصريحهم بان " الضحك فى حد ذاته رسالة "و من هذا المنطلق عندما ترتاد السينما لمشاهدة فيلم كوميدى فانت مؤهل كل التآهيل بان تخرج من دار العرض دون اى رسالة و كما خرجت من منزلك عدت اليه سالما دون اى تاثيرات حمضية او قلوية فيكفيك انك ضحكت و " كركركت " و انت جالس داخل دار العرض و بمجرد خروجك تصيبك نوبة فقدان ذاكرة نادرة و تنسى ما ضحكت عليه و بل ربما ان تذكرت.. استسخفت ما اعتلت ضحكاتك عليه
و اتحداك ان تصلك اى رسالة يقصدها صناع الفيلم لانه من الاساس لا يوجد فيلم فالمسائلة لا تخرج عن نطاق بضع نكات و صياح مخرج فى لوكشن او بلاتوه قائلا " اكشن" و دارت الكاميرا و جرت عملية المونتاج و اصدرت الشركة حملة ترويجية بدات بقريبا مرورا بحاليا بدور العرض و اصبح هناك شيئا فى النهاية بدار العرض اسمه فيلم
اما فيلم " اكس لارج " فللوهلة الاولى تتوقع انك بصدد فيلم كوميدى يقوم ببطولته واحد من اهم نجوم الكوميديا فى مصر هو احمد حلمى المتربع على عرش الكوميديا بثبات فهو مغامرا ..مراهنا .. ذكيا يدرك وحده شفرة الاختلاف و التميز و الانتصار على اقرانه فى ساحة الكوميديا يتطور بشكل ملحوظ لديه ثقافة الاختيار و التوقيت المناسب لتقديم اعماله فيكفيك من متابعة اخبار الفيلم خلال تصويره بان " حلمى" النحيف يجسد شخصية بدين جسمانيا فهذا كفيل بان يجعلك فى حالة انتظار الفيلم و بمجرد طرحه تجد نفسك لديك الفضول لمعرفة كيف يجسد " حلمى " شخصية البدين ؟ فتذهب الى السينما لشراء تذكرة و مطالعة الفيلم لتكتشف مع مشاهده الاولى و ضحكات الجمهور التى تتعالى دون انقطاع امام فيلما ظاهريا كوميدى و لكنه مختلف عن سائر اعمال نجوم الكوميديا فى مصر مختلفا فى اهدافه و مضمونه و رسائله التى يطرحها الفيلم
فشخصية البطل " مجدى مكاوى " رسام الكاركاتير البدين المترهل ما هى الا شخصية تعبر عن جوهر الشخصيات المصرية اجتمعت فيها عدة مواصفات محبوبا وسط اصدقائه و فى نطاق مجاله العملى موهوبا شهواته اجتمعت جميعا فى شهوة واحدة و هى عشقه للطعام لدرجه انه لا يعبأ بمرض السكر لكن تكوينه الجسمانى البدين اصبح عائقا فى طريق الحب الذى يفتقده .. و لم ييأس مجدى فى البحث عن نصفه الآخر و بدأ يقلب فى دفاتره القديمة ليجد شخصية " دينا" التى تجسدها " دنيا سمير غانم " صديقته منذ ايام الطفوله و التى شاءت الظروف ان تنقل اقامتها الى دبى الا انه عثر عليها صدفة من خلال موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك فيقرر التواصل معها دون ان يراه من خلال التليفون ليأتى اليوم الذى تخبره دينا بانها سوف تنقل اقامتها الى مصر لاستكمال دراستها العليا و هنا يتمنى مجدى ان تكون دينا شخصيا بها عيبا يقابل بدانته و يأتى اليوم المرتقب و يتجه لاستقبالها فى المطار ليجد نفسه امام فتاة جميلة لا يجد بها غلطة فيقرر سريعا ان يقنعها بانه ليس مجدى و انه احد اقاربه و ان مجدى طرأت عليه ظروفا منعته من انتظارها و تتوالى الاحداث و يزداد تعلق مجدى بشخصية دينا و يبدا خفقان قلبه و يتوجه مجدى الى اصدقائه لمساعدته فى علاقته العاطفية مع دينا فينصحه الاصدقاء بالبحث عن مفاتيح شخصيتها و اللعب على وتر الصفات المشتركة و ينجح مجدى مكاوى فى لفت انظار دينا دون يصارحه بحقيقته انه مجدى و تأتى لحظة مصارحة مجدى بحبه و تأتى فى المقابل الصدمة و تتوالى الاحداث و يمر مجدى بفقدان حبيته و خاله الى ان يتأخذ قرارا باصلاح نفسه هذة هى احداث الفيلم
شخصية مجدى مكاوى التى رسمها الموهوب دائما ايمن بهجت قمر و الذى صاغ سيناريو الفيلم بنفس شاعريته و سكته المختلفة فى نظم الشعر الغنائى و الذى جعلته ماركة مضمونة النجاح لاى اغنية تحمل توقيعه,رسم ايمن بهجت شخصية مجدى مكاوى باعتبارها مثالا للشخصية المصرية المنتفخة
دهون و شحوممجدى مكاوى ما هى الا رمزا لسلبيات الشخصية المصرية التى تطغى على مفاتن الشخصية فاصرار مجدى على بقاء بدانته طغى على موهبته فى مجال العملى و حب الاصدقاء لهمجدى مكاوى شانه شان اى شخصية مصرية يكتشف العيب و يقنع نفسه ان العلاج غالى ولا يقوى على دفع ثمنه حتى و لو كان فى متناول يديه دائما يوجد مبررات لبقاء عيوبه .. يحلم و لا يعى ان للاحلام ثمنا و ان الاحلام لا تفسر الا بالجهد .. يرغب فى ان يعيش على سحابة الحب الوردية و لا يرغب فى ان ينقص وزنه حتى لو كان فى المقابل ان يفقد سعادته و حبه يتمسك بالقيمة المادية المتمثلة فى وزنه الزائد و يتخلى عن القيمة المعنوية الاكثر بقاء و يخسر حبه تماما مثل الطريقة المصرية فى التفكير
استطاع ايمن بهجت ان يكشف من خلال فيلمه عورات الشخصية المصرية من خلال مجدى مكاوى الذى يرفض الثورة على وزنه الضار و يأمل ان يتغير نظرة بنات مجتمعه الى البدين تمام كحال الشخصية المصرية التى نبذت رموزها و نظامها و ثارت عليه قبل ان تثور على نفسها على الرغم من انه ربما لو ثارت الشخصية على نفسها بالتأكيد كان واقعها ربما يخلو من الفساد و المفدسين
فيلم اكس لارج يكشف عناد الشخصية المصرية التى ترفض استقبال اشارات السما ءالتى تدعوها الى التغيير من ذاته فالعلاقة الحميمة بين خال "مجدى " الذى يجسده الرائع ابراهيم نصر و مجدى نفسه علاقة تمثل لقاء اجيال المختلفين فى اعمارهم و اصحاب واقع مشترك و ربما ايضا مصيرا مشتركا فالخال البدين الذى تولى تربية مجدى ابن شقيقته بعد رحيلها يحاول ان يجنبه مصيره بالا ينس نفسه و ان مازالت لديه الفرصة فى ان يتخلص من وزنه ليجد شريكة حياته حتى لا يصبح وحيدا لا يؤنسه الا الطعام و لكن مجدى يضع عجينا فى اذنه حتى لا يسمع صوت خاله و يحجب الرؤية حتى لا يرى صورة خاله الصورة المستقبلية التى ربما تنتظره حتى يضطر خاله لمقاطعته رغم انه امرا صعبا حيث كان مجدى جزء اعتياديا من حياة الخال اليومية ليمارس ضغطا حتى يفيق مجدى من عناده و لكنه لا يفيق و لا تبدا ثورته على نفسه الا برحيل خاله و فقدان حبيته التى خفق القلب المحاط بالشحوم و الدهون من اجلها
هكذا تتفن الشخصية المصرية فى ضياع الفرص و تعشق الغرق فى بحر الندم و تأتى دائما القرارات فى الوقت الصعبيكشف ايمن بهجت عورة آخرى من عورات الشخصية المصرية باننا ما زالنا مجتمعا مظهريا لا يهتم بالمضمون من خلال مشهد تلتقى فيه دنيا سمير غانم بالمرآتها وجه لوجه و تستفهم مشاعرها اذا كانت تحب مجدى و تستنكر الفكرة فى نفس الوقت رغم انسجامها معه هكذا كانت احداث فيلم اكس لارج المفترض انه فيلما كوميديا و الذى كنت اتمنى ان يتحسس كل فرد من افراد جمهور السينما وجهه ليرى اصابع ايمن بهجت و حلمى تترك اثارها على وجنته بعد مشهد النهاية الذى يثبت ان احمد حلمى فنانا موهوبا و فيلما بعد آخر يبرهن ان القدرة التمثيلية و الحرفية تكتسب و يمكن تتطورها و لكن ذكاء الممثل يجعله نجما بريقه خالد ا
اعتقد ان "حلمى " شيد اساس مدرسة كوميدية سوف يذكرها التاريخ السينمائى لانه اراد ان يضع مجتمعه امام عينة يضحكهم على مشاكلهم و يختار شخصياته من بينهم ايضا, فمرور "حلمى " وسط شخوص الفيلم فى مشهد النهاية اشبه بالنهايات المسرحية بنظرة تعكس حالة " حلمى " نفسه فى بحثه الدائم عن مشاكل مجتمعه التى رصدها من خلال شخصية مجدى مكاوى و من خلال انماط اصدقائه سواء المتهورة او ابن امه و خالته و الشخصية التى تعتبر انوثتها ضعفا و الشخص المغلوب على امره و الشخصية التى ترفض الانسياق ورا الاخرين و غيرهم من شخصيات الفيلم
فى النهاية التجاوز فى حق الشخصية المصرية لم يكن هدفا تصبو اليه كلماتى فلكل قاعدة استثناء و كلماتى من منطلق حرصى على الحلم بمصر ..جديدة لا يعتمد اشخاصها على ارثا شيده الاجداد و انما يشيدون انجاز ات جديدة حتى لو كانت هذة الانجازات بناء شخصية مصرية جديدة تفوق من الغفلات و تعى لذاتها تثق فى قدراتها دون تضخيم او تقليل
اشكر صناع الفيلم على الحالة التى منحتونى اياها بفيلمكم الذى اثبت ان السينما مازالت ممكنة رغم الظروف
شكر واجب
ـ ايمى سمير غانم : الكوميدية المتهورة التى تصعد بسرعة الصوت و الضوء الى اعلى
ـ دنيا سمير غانم : فيها من تلقائية و حضور فاتن حمامة و شقاوة شادية اصبحتى تمثلى خطرا على بنات السينما المصرية
شريف عرفة: يثبت انه مخرجا استثنائيا و صانع فيلم ماهر يصلح لكل نوعيات الافلام
خالد سرحان : ضيف شرف اضاف ظهوره النادر فى الى رصيد الضحك بالفيلم
محمد شرف : لا يمكن ظهورك ان يمر مرور الكرام فحضورك طاغى
هشام نزيه : موسيقك التصويرية كانت لافتة حاضرة حتى وسط كم المواقف الكوميدية
ـ اكثر المشاهد اضحاكا فى الفيلم: رقص حلمى فى الديسكو
ـ القصائدة التأبنية: التى اداها ابراهيم نصر كانت قنابل ضحك موقوتة و خاصة قصيدة " يا مدام كوثر" و " عيد ميلادى "
ـ المشاهد المؤثرة : نظرة حلمى من البلكونة و قت الافطار و هو وحيد ينظر الى النوافذ التى تكشف تجمع الاسر حول موائد الافطار و مشهد قرار ابراهيم نصر بمقاطعة ابن شقيقته مجدى ان لم يفق من غفلته
ـ الخط الدرامى الذى كان يحتاج الى اعادة نظر من صناع الفيلم : .. مصارحة دنيا سمير غانم للبطل مجدى مكاوى بانها لا تراه حبيبا و انها حالة مرضيا لدراستها مرورا بانها عقدت اتفاقا مع خال مجدى لتصدمه حتى يتاخذ قرارا باصلاح نفسه
ـ الوجوه الجديدة : كل الوجوه الجديدة و الغير جديدة و الادوار الثانوية بالفيلم و خاصة فتاة المطار كان نجوما حاضرة
ـ ايمن بهجت و احمد حلمى : توامة فنية اعتقد ان اعمالكم سويا تظل افلاما جميلة لا تنسى