رسالة إلى خالد يوسف......

لم يفهم الكثيرون السبب في إصرار نجيب محفوظ على عدم كتابة سيناريو لأي من رواياته، على الرغم من كتابته السيناريو والحوار للعديد من روايات الأديب إحسان عبدالقدوس وأشهرها فيلم أنا حرة، وكذلك اعتبر البعض تصريحه الشهير بأنه غير مسؤول عن الأفلام المأخوذة من رواياته، على أنه مجرد تنصل من الأفلام التي لا تقدم نفس الرؤية التي في نص الرواية، وهو خلاف قديم ما بين المكتوب والمرئي، والذي ينتصر فيه عادة النص المكتوب كرواية لانه بلا حدود للإبداع، ولم ينتصر النص المرئي إلا في حالات قليلية جدا مثل فيلم الأرض المأخوذ عن رواية ل عبد الرحمن الشرقاوي، وفيلم شيء من الخوف المأخوذ عن رواية ل ثروت أباظة، لكن الحقيقة أن محفوظ كان يكتب نصاً متعدد الرؤى والأبعاد، اختار صانعو الأفلام رؤية ومستوى واحد منها ليقدموه في أفلامهم المأخوذة من رواياته مما أفقدها الكثير من قيمتها.
وليس هناك دليل على هذا أكبر من محاولة اغتيال محفوظ والتي قال منفذها أنه حاول اغتيال محفوظ لأنه ينفذ "أوامر أمير الجماعة والتي صدرت بناء على فتاوى الشيخ عمر عبد الرحمن."، والتي ثبت بعد هذا أن صاحبها استقاها من أفلام المخرج حسن الامام عن روايات محفوظ، ليصدر حكما على الكاتب بسبب رؤية المخرج - الذي بالمناسبة لا يستحق القتل بسبب رؤيته ولا يجوز هذا في أي دي أو ملة -
وكذلك التصريح الأخير لأحد المرشحين لمجلس الشعب والذي اتهم فيه روايات محفوظ بأنها قائمة على المجون والشذوذ، ليتأكد قاريء محفوظ أن المرشح لم يقرأ يوماً حرفاً لمحفوظ.
وأخيراً الموقف الشجاع للمخرج خالد يوسف بتقديم رواية محفوظ الممنوعة من النشر في مصر اولاد حارتنا كفيلم سينمائي لمواجهة أي محاولة لتقييد الإبداع، وهي خطوة جريئة للمخرج يشكر على تنفيذها ولكن عليه أن يعي تماماً ما يقدم حتى لا نسقط في الفخ مرة أخرى.
رواية أولاد حارتنا حسب نقد الدكتور ابراهيم قاسم استاذ اللغة العربية في جامعة الأزهر عبارة عن رواية رمزية أو لنقل إنها مجموعة من الحكايات التي تحاول اتخاذ التاريخ البشري على مر العصور ميدانا لأحداثها ، فقد اعتمد نجيب محفوظ فيها على الجانب التاريخي اعتمادا كاملا ، ويكفي أن يقدم محفوظ في النهاية شخصية عرفة في الجزء ا لأخير من الرواية ويرمز به الكاتب إلى رجل المادة أو العلم أو العلمانية ، وواضح ما في لفظ "عرفة" من معنى المعرفة والعلم ولذلك جعله الكاتب مجهول الأب (ص451) إشارة إلى أن العلم ليس له أب ولا جنس معين ، كما جعله يصب لعناته على الجبلية والرفاعية والقاسمية (ص454-457-487) إشارة إلى عداء العلمانية للأديان كلها ، ثم جعله يعرف قدره عند المرض والغم والضعف.
وهذا يجعل التصدى لتحويل الرواية إلى فيلم سينمائي محاولة صعبة تحتاج إلى مزيد من الترميز الغير مباشر حتى لا يبدو العمل في النهاية كقصص الأنبياء للأطفال، لان محفوظ كان حريصاً على تقديم هذا الصراع بين الايمان والكفر، والدين والعلمانية في اطار يستحقه الصراع، وهو ما يجب أن يفكر فيه خالد بعناية قبل أن يشرع في تنفيذ سيناريو الفيلم.
أولاد حارتنا محاولة قد يعتبر نجاحها نقلة نوعية للسينما والفكر في مصر، وقد يتسبب فشلها في نهاية حرية الإبداع في هوليوود الشرق.