متى يعتزل محمد منير ؟

لازلت أذكر تلك الليلة الحارة في بدايات صيف عام 90، عندما طرح محمد منير ألبوم مشوار، وانتشرت شائعة بأنه أخر ألبومات الفتى الاسمر - الذي لم يكن قد صار ملكاً بعد -، أتذكر ايضاً إختلاط دموعي بحبات عرقي الخجلة أمام بائع الألبومات الذي أخبرني أن الالبوم سعره 10 جنيهات، ولم أكن أحمل إلا 5 لاشتري بيها شريط "الكاسيت" حسب أسعار كل شرائط الكاسيت في هذا التوقيت، لكني طاردت خجلي واسرعت عائداً للمنزل لإحضار المبلغ اللازم، مستعينا بدموعي التي سالت لإعتزال مطربي المفضل في الضغط على والدتي لتعطيني باقي المبلغ.
ولكن منير كذب الشائعة فعليا وعاد وكأنه لم يعد عام 92 بألبوم "الطول واللون والحرية" ، وكعاشق مخلص، حاول الإستمتاع بما يقدمه مطربه المفضل، شارحاً الأمر للمختلفين حول الألبوم أن منير يجرب لوناً جديداً من الموسيقى لم تعتدها أذاننا بعد، تخللى منير عن أحمد منيب، ومجدي نجيب، مكتشفاه ومن صنعا مشواره الذي ختمه بألبوم "مشوار"، وقال في تصريح له في أحد المجلات "أستطيع العمل مع شعراء وملحنين وموزعين لا يعرفهم أحد، وأغنى بهم " ريان يا فجل " وسأنجح وأكسر الدنيا !"... وبالفعل سقط منير لمدة سنوات في حقل الفجل.. الذي بالمناسبة نستمع إلى أغانيه هذه الايام بفعل الحنين ليس أكثر.
4 سنين مضت، عاد منير بعدها ليتلمس طريقه بألبوم "ممكن"، قبل أن يؤكد عودته الفعلية عام 1998 بألبوم "من أول لمسة"، لأستعيد كعاشق لمنير تخطى مرحلة المراهقة وصار شاباً على أعتاب "دخول دنيا" سعادتي بمطربي المفضل الذي ابى إلا أن يصاحبني زفافي وهو يغني في "كاسيت" السيارة التي تم زفافي بها" خلاص حبيبتي بقينا لبعض" من ألبوم الفرحة.
وعاد منير ولكن هذه المرة دون ذلك الطقس السنوي، وصارت البوماته تتركنا بالعامين والثلاثة دون أن تبل ريقنا وتطرب أفئدتنا، حتى فاجئنا عام 2008 بألبوم "طعم البيوت" بعد غياب حوالي 3 سنوات، ويخشى عشاق منير القدامى من عودة منير مرة أخرى لمرحلة الفجل.
قبل أن ننتظر 4 اعواماً أخرى ليعود منير إلينا بألبوم "يا أهل العرب والطرب"، تبهرنا الأسماء التي يتعاون معها هذه المرة، شعراء في قامة عبدالرحمن الأبنودي، سيد حجاب، بل واختار أغنية قديمة للعظيم حسين السيد.
ملحنون في قيمة عمار الشريعي، وفي موهبة محمد رحيم، وموزعون بتاريخ طارق مدكور، وموهبة أسامة الهندي.
ولكن النتيجة كانت مخيبة للأمال... عاد منير ليفرح ملايين من عشاقه يقبلون بالفعل أن يغني لهم ريان يافجل، ودخل ضمن قائمة مطربي الشاعر نبيل خلف، والتي احتلها من قبله على الحجار، و مصطفى قمر قبل أن يختفيا بفعل فاعل.
يبدأ الالبوم بأغنية "عيون" للشاعر سيد حجاب والحان عمار الشريعي، وتوزيع طارق مدكور لتشعر أن منير يغني إحدى أغاني عمرو دياب، ثم أغنية رمان لشاعر شاب بصحبة المطرب " شاندو" وهي أغنية جيدة المستوى وطازجة الفكرة، ثم أغنية الالبوم "يا أهل العرب والطرب" والتي بالرغم من غرابة بعض مقاطعها - العدل مين سيده، سيده وياللعجب وطى وباس إيده.. يعني إيه؟- تبدو جيدة، ثم يمضي الألبوم أغنية تلو الأخرى فتنزعج من رداءة لحن "قلبي ميشبهنيش" على الرغم من كلمات لاأبنودي المميز، ثم تندهش لسماع أغنية "في عينيكي غربة وغرابة" بتوزيع "تانجو" يفقدها معاني كلماتها، وأغنية اسمها "ياليالي" يغنيها مرتين بتوزيعين مختلفين قادرين على سد النفس، وهكذا إلخ إلخ، لتبقى أغنية "حارة السقايين" في ذهني فقط من الالبوم بأكمله، وهي أغنية معادة غنتها الفنانة شريفة فاضل من قبل.
4 سنين من الغياب ليعود منير باهتاً في تسجيلاته... مازال قادراً على الإبداع في حفلاته، محبطاً فيما يبقى لتاريخه.
عزيزي محمد منير... هل آن الآوان أن تعتزل بالفعل.. ولكن دون دموعي تلك المرة... حرصاً على تاريخك الذي تصر على تجاهله.
رحم الله أحمد منيب ومجدي نجيب.