أظن أن لكل شيء صوت، وهو ما أعتقده وأؤمن به، لدرجة أني أخاطب السلم الحجري لمنزلنا منذ عقود طويلة فهو وحده يدرك حالي من وقع اقدامي عليه، تلمسه لمساً حين أكون سعيداً، فيهتز طرباً، وتزحف عليه وتلاصقه وأنا حزين، يدرك هذا ويواسيني، أسمع صوته بروحي، ولأن لكل شيء صوت، يبقى فارس صوت مراهقتي.. ما إن أسمعه يغني، حتى أستعيد تلك الإبتسامات العابرة، تلك الوقفات في الشارع أسفل عامود النور متطلعاً إلى شرفة الجيران، تلك الرسائل الورقية ركيكة الاسلوب، والتي تحوي الكثير من الدموع والآهات.
تصدح أغنية "مرسول الحب"...أتذكر ذلك الصديق الذي حمل رسائلي... وتلك الليالي الصيفية في صحبة رفاق المراهقة الذين يدخنون السجائر بقلق، ويبحثون عن "لبان" النعناع بعدها لإخفاء الرائحة عن الأهل.
أعيد سماع أغنية "حاكتبلك"، أتذكر ذلك المحرض الأول على الكتابة، والذي جعلني أخوض أول تجاربي الشعرية البريئة، التي تثير إبتساماتي عند قراءتها هذه الايام.
أسمع "يشهد على القمر"، أتذكر كيف اعتدت من يومها، أن اشهد القمر على وعودي التي لا أخلفها أبداً، حتى لا يخاصمني البدر.
حالة كاملة من "نوستالجيا" يصيبني بها البوم حاكتبلك لفارس، ذلك الصوت الشاب الذي قدمه حميد الشاعري في نهاية الثمانينيات كحالة خاصة بصوت شديد الرقة والنعومة، في عصر كانت الرومانسية مازالت تحاول الحياة فيه، لينجح نجاحاً كبيراً.
تلاها فارس بالبوم "سحرك"، الذي يبقى منه دائماً أغنية سحرك التي لحنها ابراهيم فهمي ووزعها ووزع أغاني الالبوم بالكامل حميد الشاعري، ثم يعاود النجاح بألبوم معجباني، وأغنيته الشقية "ياشوق يا شوق"، حين يتحول بداخلي المراهق الخجلان، إلى ذلك الشاب الجريء، الذي يفصح عن مشاعره، ذلك الفتي الذي لا يستحي أن يقذف بخطابه الغرامي في "بلكونة" حبيبته، مصحوبة بوردة بيضاء.
ثم يغادرني فارس بالبوم سوسنة، وتلك الأغنية الرقيقة التي ودعت بها سنوات المراهقة، متفرغاً لهموم الحياة، متمنياً للرومانسية أن تعود، ومخاصما ً الشعر لسنين طوال.
توقف فارس أو اختفى هو أيضاً بعدها لمدة 5 سنوات قبل أن يعود بألبومات لم تحقق النجاح نفسه مثل "تاني" عام 98، "سحر عينيك" 2003، ليدرك أن زمن الرومانسية الحالمة الحريرية قد ولي، فيغير من نفسه ويقدم ألبوم "حبيتك قوي" 2008، ألبوم "جديد" 2009، لكنه لا يعود.
ويبقى سينمائياً بفيلمي جالا جالا، الذي أدى فيه دوراً يشبهه للغاية، ذلك الفتي الغائب الحاضر، الموهوب المنسي، ثم فيلم بحبك وبموت فيك، مؤدياً أيضاً دوراً يشبهه في البعد عن ذاته ومحاولة تغيير جلده.
فارس مطرب مراهقتي المفضل، يبقى فارساً في زمن فرسانه يفضلون ركوب الموجة، بينما هو يمتطى الحنين.