رأيته يوم 28 يناير عند مجموعة النخيل الموجودة في فناء أحد فنادق القاهرة الواقعة على النيل، يتسلق النخلة هاتفاً "الشعب يريد إسقاط النظام"، وعدت وتصفحت وجهه عشرات المرات وسط صور الشهداء، رأيته أيضاً جندياً من جنود الأمن المركزي البسطاء، الذين وقفوا في الإشتباكات بين الثوار والأمن لا يعرفون السبيل، رأيته يتذكر والده "أبو مصري" وهو يسأله في سره : ماذا أفعل.
فتى أسمر اللون يشبه لون بشرته لون تربة مصر السمراء، وجهه المثلث يشبه دلتا النيل، عيناه الواسعتان تحملان حزناً دفيناً وتغلفهما إبتسامة ساخرة كعادة هذا الشعب الطيب الذي يسخر حتى من أحزانه، أنف شامخة تنم عن عشق للحرية وفم يحمل إبتسامة آبت أن يغيبها حتى المرض، صوت يحمل بحة خاصة وموهبة رائعة في التمثيل كل هذا كان الفنان عبدالله محمود الذي رحل منذ 7 سنوات بعد صراع مرير مع مرض السرطان.
******
يبقى "طلوع النخل" أسطورة ريفية تتطلب مواصفات خاصة، وفي فيلم عرق البلح ل رضوان الكاشف كانت وصية الجد هي طلوع الشجرة بحثا عن الخير ، ولكن عبدالله محمود أو البطل المسمى محمد السيد أحمد أقعده المرض عن صعود النخلة في فيلم طالع النخل، كما أبعده المرض عن المشاركة في ثورة يناير، إختطفه بعيداً ، على الرغم أنه ككل جيله محسن محيي الدين و وائل نور شاركوا في بداية ثورة سينمائية لم تنجح أيضاً في منتصف الثمانينيات.
كان البطل في طالع النخل يكشف تلك المعاناة في رحلة مع مرض البلهارسيا، والدخول في دوامة يصبح فيها المرض تجارة والإنسان مجرد سلعة خالية من المشاعر والاحاسيس وخاضعة لتجارب الباحثين عن الدرجات العلمية، كان يكشف ما يستحق الثورة خلال عمل تلفزيوني لم يلتفت إليه الكثيرون.
******
أما "مصري" في المواطن مصري فكان يكشف فساد السلطة، وكيف أجبر العمدة فلاح بسيط على أن يرسل ولده إلى الجيش بدلاً من نجله المدلل، حتى عاد إليه ميتاً، ويشبه هذا كثيراً حرص الموت على إختيار الفقراء، والشرفاء ليموتوا ويبقى "ولاد ...."، ويعري الفيلم قهر الفقر في المجتمع المصري بمصاحبة الجهل الطاغية الآخر .
مات "مصري" أو عبدالله محمود في الفيلم بريئاً دون ذنب جناه، ككل شهداء الشعب والشرطة، وبقى الطاغية حياً دون أن يمسه ضرر، في أذان آخر خرج للناس كي يثوروا.
******
وداعاً عبدالله محمود .