دائماً ما كان أصل إنتاج الأفلام العمل على تحويل سيناريو مكتوب خصيصاً للإنتاج السينمائي إلى الشاشة الفضية. لكن أصبح من المعتاد بل المطلوب أحياناً تحويل روايات وكتب لأفلام. ثم تعدى الأمر لتحويل القصص الهزلية المصورة وأفلام الكارتون بل وحتى ألعاب الفيديو إلى انتاجات سينمائية مهمة. كثير من الأفلام. لكن ماذا عن إعادة إنتاج أفلام إلى أفلام؟؟ على الرغم من أن هذا الاتجاه ليس بجديد على السينما الغربية، إلا أننا في الآونة الأخيرة أمام موجة ضخمة وراسخة من عمليات إعادة الإنتاج لأفلام سابقة Movies Remakes. لسبب ما يقرر عدد من صناع هوليوود إعادة رواية قصة أُخبِرت ورويت مسبقاً. البعض في محاولة للاستفادة من نجاح العمل الأصلي بشكل تسويقي ذكي يدفع البعض من الجمهور لمشاهدة إعادة الانتاج فقط بدافع الفضول وللمقارنة بينه وبين الأصل، والبعض لارتباطه بالقصة الأصلية وثقته في "جودة" العمل القديم مما يدفعه للمراهنة على نجاح إعادة الطرح.
بعض الاتهامات تجاه هذا التوجه هو إفلاس مخيلة الصناع وتوجههم لاستغلال الانتاجات القديمة لتحقيق المكاسب التجارية. لكن مع استعراضنا للعديد من التجارب سنرى أن هذا التوجه ليس سيئاً لهذه الدرجة! بعض إعادات الإنتاج تحولت في حد ذاتها إلى كلاسيكيات في السينما الغربية وفاق نجاح بعضها نجاح الأصل! البعض استفاد من التقدم التكنولوجي وقدم ذات الأفكار في قالب أكثر مواؤمة للعرض وأكثر إمتاعاً للمشاهد. البعض قدم ذات الفكرة أو التيمة فقط لكنه تناول الانتاج الجديد من منظور مختلف وأبعاد أكثر عمقاً وإثارة. المهم أن إعادات الإنتاج توجه باقٍ وعلينا الاعتراف به ومحاولة رصده بحيادية تحتكم بالأساس للجودة وإتقان صناعة الفيلم لا أكثر ولا أقل. والأهم هو مشاهدة الأصل للحكم بالمقارنة مع مراعاة اختلاف الأزمنة وتأثير ذلك في اختلاف التناول بالتالي مقدار الاستمتاع وقبول العمل الفني من عدمه.
12Angry Men 1957 vs. 1997
إثنى عشر محلفاً يتناقشون حول جريمة قتل للبت في الحكم بها. تيمة الفيلم ببساطتها أخرجت لنا في العام 1957 واحد من كلاسيكيات هوليوود الرائعة التي لا تنسى! أداء الممثلين وروعة السيناريو والحوار الموضوع ساهما في وضع هذا الفيلم الأسطوري في مصاف أي لائحة تسرد أعظم انتاجات السينما الأمريكية. هنري فوندا (بطل الفيلم ومنتجه أيضاً) بجوار مارتين بالسام و جاك كلوجمان وباقي المحلفين ساهموا في تقديم حوار متميز ينقلك لأجواء ونفسيات هؤلاء الرجال الممثلين للرجل الأمريكي العادي وجدالهم حول تجريم المتهم أم تبرئته. الجو العام للفيلم والذي نجح الفريق في إشراكك به وجعلك تستشعر الضغط النفسي والجدل الأخلاقي وحتى الأجواء الخانقة للغرفة أمر مذهل للغاية وصنع إنتاج لا زال يستحق التبجييل.
إعادة الانتاج هنا جاءت في فيلم تلفزيوني وبعد أربعين عاماً لتنقل ذات التيمة لطقم تمثيل مختلف بالتأكيد لكنه جاء أيضاً بشكل متميز ورائع ويستحق الإشادة خصوصا مع حقيقة أنه إنتاج للتلفزيون وليس للسينما. الاختلاف الأساسي جاء في أن الإثني عشر رجلا يمثلون الرجل الأمريكي الجديد باختلاف المجتمع ذاته عن زمان انتاج الفيلم الأصلي. أمريكا أشركت في مجتمعها "الملونين" لذا سنجد عدد لا بأس به من الأمريكيون الأفارقة ومهاجر مكسيكي وإثنان من أصول لاتينية. التنوع جاء ليخلق الاختلاف في الحوار فالسرد لينقل ثقافة كل منهم. لكن المحصلة إعادة إنتاج أخرى مميزة نجحت في نقل ذات أجواء الإمتاع والإثارة وحتى الإختناق لمسرح الأحداث.
Ocean's Eleven 1960 vs. 2001
كل الجمهور العربي استمتع كما فعل نظيره الغربي بمغامرات جورج كلوني في دور داني أوشن وشريكه براد بيت وباقي العصابة الظريفة من الأشقياء وخططهم الجهنمية والغاية في الذكاء لسرقة كازينوهات لاس فيجاس. الفيلم الذي حقق نجاح تجاري مميز في العام 2001 وكان بداية لسلسلة تبعت نفس خطوات النجاح والإمتاع في السنوات التالية. هو إعادة إنتاج لنسخة 1960 من فيلم يحمل ذات العنوان بطولة فرانك سيناترا وباقي الثلاثي الترفيهي الرات باك دين مارتن وسامي ديفيز.
الاختلافات هنا في السياق طفيفة فالغرض الأساسي هو الحدث الحالي للفيلم وليس خلفيات شخصياته، والاهتمام في الانتاجين ينصب على عملية السرقة وتفاصيلها وملابساتها ومفارقاتها. داني أوشن في السبعينات عائد من الحرب العالمية ويبحث عن فرصة هو وبعض رفاق السلاح. أوشن الألفية الجديدة خارج لتوه من السجن ويبحث عن ذات الفرصة مع شلة الأشقياء القديمة. هنا نحن أمام إعادة انتاج من القوة والإبهار والتميز لدرجة محق التجربة الأصلية تماماً خصوصاً لدى الجمهور العربي الذي لم يسعفه الحظ لمشاهدتها في المقام الأول. كذلك الإبهار التقني وطريقة العرض المميزة وتقنيات التصوير والإخراج والموسيقى التصويرية للفيلم الجديد كل ذلك تغلب على رتابة الفيلم الأصلي وإيقاعه البطيء. الإيقاع الذي كان يتناسب مع ذلك الزمن لكنه بالتأكيد لن يروق لجمهور الألفية. لكن لا زال فيلم سيناترا يستحق المشاهدة.
The Italian Job 1969 vs. 2003
العملية الإيطالية.. أو كما أحب أن أطلق عليها الإعلان الطويل للسيارة الميني كوبر. واحد من أفلام الحركة والتشويق الممتعة من بطولة مارك ولبرج والجميلة تشارليز ثيرون. الفيلم جاء ربما بهالة تسويقية هي الأوضح على الإطلاق في عمليات إعادة الإنتاج.. "نعم نحن إعادة إنتاج لأحد الأفلام العظيمة ولهذا عليك أن تشاهد الفيلم!" أغلب الجمهور الغربي شاهد الفيلم لهذا السبب تحديداً فمعظم هذا الجمهور شاهد الإنتاج الأصلي للعام 1969 من بطولة البريطاني الرائع مايكل كين وباقي رفاقه. والكل أراد أن يذهب ليشاهد حتى يقارن ويحكم. سبب من الأسباب الرئيسية التي تدفعنا لمشاهدة النسخ الجديدة لهذه الأفلام.
كلا الفيلمين يلعبان على نمط التشويق لمخطط السرقة. كلا بطلي الفيلمين يجتمعان مع عصابة ويضعان خطة ألمعية لسرقة كمية من الذهب باستخدام أساليب ذكية والأهم الميني كوبر تلك السيارة الرائعة والمناسبة بأدائها وسرعتها للغرض منها في الخطة الموضوعة. الخط الدرامي يغيب عن الفيلم الأصلي والتركيز ينصب للحدث الفعلي المتمثل في مخطط السرقة وتنفيذه. بينما وجود العنصر النسائي في إعادة الإنتاج وفكرة الانتقام ورغم بساطة الطرح وسطحيته إلا أنها أضفت للفيلم بعض البهارات المطلوبة. الكثيرون فضلوا إعادة الإنتاج لسرعة الإيقاع وتناغم أداء فريق العمل أمام الكاميرا. عن نفسي لازلت أفضل العمل الأصلي الإنجليزي العتيق بالرغم من أن النهاية الكارثية والمفتوحة تشعرك أنك أمام فيلم مقلب للكاميرا الخفية. لكن أترك لكم الحكم إن كان لكم مشاهدة فيلم يناهز عمره الأربعون عاما.
L.A. Takedown 1989 vs. Heat 1995
مايكل مان، مخرج متخصص في إبداع أعمال ناجحة باقتدار على المستوى الفني والتجاري. في مكتبته إبداعات لأفلام كـ Public Enemies، Miami Vice، Collateral، Ali، The Insider، The Last of the Mohicans والفيلم الأسطوري Heat. كثيرون لا يعرفون أن هذا الفيلم الأسطوري والذي نجح في جمع أسطورتين لهوليوود على شاشة واحدة هما العظماء آل باتشينو و روبرت دينيرو، هو إعادة إنتاج لفيلم تلفزيوني من العام 1989 إسمه L.A. Takedown. المفارقة أن مايكل مان هو مخرج كلا العملين! مما يدفعك بالفضول لتسأل: ما الذي يدفع مخرج ناجح لإعادة إنتاج فيلم تلفزيوني كان معد في الأصل كحلقة تجريبية لمسلسل ولم يحظ على إعجاب الكثيرين لتحقيق ذلك!؟ اياً كانت الإجابة فعلينا أن نشكر القدر ومايكل مان على قراره ذلك!
هنا نحن أمام إعادة إنتاج نجحت في أن تنفرد على قمة كلاسيكيات أفلام الإثارة والتشويق بشكل منفرد دون أدنى ذكر للفيلم الأصلي. الميزانية الضخمة لـHeat وفريق الممثلين الرائع بقيادة الأسطورتين باتشينو و دينيرو والحبكة الخالية من الحشو والإطناب والتي استطاع من خلالها مان أن يخلق حالة فريدة لفيلم إثارة وأكشن مع بعد درامي ونفسي غير سطحي بل متعدد ويمكن أن يكون أساس مسلسل وليس لفيلم فقط! شرطي متمرس متزوج من إمرأة في علاقة معقدة ومضطربة مع إبنته، لص محترف يعاني من الوحدة ويخفي هويته عن فتاة يعجب بها، يرافقه رجل قاس على علاقة متوترة مع زوجته.. كل هذا في شكل خفيف لكنه لا يستخف بالمشاهد ولا يأخذ أكثر من حجمه الطبيعي في العرض والتناول إضافة لأحداث التشويق الأصل في العمل. لا يشبه الفيلم أصله بالمرة إلا ربما في البناء التكويني لشخصيتي الطيب والشرير لكن تظل هذه هي إعادة الإنتاج الأكثر نجاحاً على الإطلاق في رأيي. (طريف جدا أن بوستر الفيلم الأصلي في محلات التأجير حالياً يحمل تنويه أن المخرج هو مخرج Heat إعادة الإنتاج )!!