الاسم بوند.. جيمس بوند

  • مقال
  • 04:47 مساءً - 16 سبتمبر 2012
  • 1 صورة



أبطال سلسلة جيمس بوند الشهيرة

في الخامس من أكتوبر هذا العام يحتفل العالم بالذكرى الخمسين لميلاد شخصية العميل البريطاني الجذاب جيمس بوند. من المقرر إقامة احتفالات خاصة بالمناسبة في مناطق عدة حول العالم. وتتضمن الاحتفالات إطلاق معرض خاص في متحف الفنون المعاصرة بنيويورك، وحفل موسيقي يشمل أغاني سلسلة الأفلام على مسرح "سامويل جولدوين" في لوس أنجلوس. وعرض فيلم وثائقي بعنوان "كل شيء أو لا شيء: القصة غير المحكية لـ007". كما ستشهد المناسبة إقامة مزاد على الإنترنت لتذكارات من أفلام "بوند" يعود ريعها إلى 12 منظمة خيرية حول العالم. لكن من هو جيمس بوند؟ كيف ولدت الشخصية التي أنقذت العالم على الشاشة الفضية أكثر من 22 مرة إضافة للفيلم الجديد في السلسلة Skyfall والمقرر عرضه في نفس الشهر؟

البداية.. بطل من ورق
الشخصية الأيقونية عالمية الشهرة هي من وحي خيال المؤلف البريطاني إيان لانكستر فليمنج. فليمنج لم يكن مجرد كاتب أو صحفي قادم من عائلة بريطانية ثرية وعريقة. بل أيضاً كان عضو فاعل في جهاز الاستخبارات البحرية البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية. شارك فليمنج في وضع العملية Mincemeat والتي هدفت إلى إيهام دول المحور أن إنزال قوات الحلفاء سيكون من خلال غزو اليونان وجزيرة سردينيا وليس ما حدث في الحقيقة من غزو لصقلية وإيطاليا. قامت الخطة على تحقيق ذلك عن طريق إيهام القيادة الألمانية أنها حصلت من خلال العثور على وثائق اتصال "سرية" تفيد بذلك على جثة تركت على الشواطئ الإسبانية!! كما وضع فليمنج العملية Golden Eye والتي هدفت لمراقبة إسبانيا بعد الحرب الأهلية هناك للحفاظ على دفاعات جبل طارق البريطانية حال احتلال الجزيرة من الألمان أو انضمام إسبانيا لدول المحور. كما أشرف فليمنج في عمله على عمليات فرقة الكوماندو الثلاثين والقوة تي وكلاهما فرق عمليات قتالية واستخباراتية كان لهما دور هائل في الحرب.

طبعاً طابع مخابراتي كهذا ومن خلال عمل فليمنج واحتكاكه بهذا العالم السري كان له الأثر البالغ في الأديب داخل الرجل الذي قرر أن يقدم لنا شخصية عميل بريطاني لجهاز الاستخبارات السرية. الحقيقة أن فليمنج اخترع الشخصية ومن ثم بحث لها عن إطار أدبي وقصصي لتمارس به حياتها! الشخوص الذين قابلهم فليمنج من ضباط ورجال استخبارات قام هو بوضعهم في الخلاط المسمى مخيلته ليصطنع لنا شخصية العميل 007 القادر على إنقاذ البشرية من أعتى الشرور. الشخصية مسطحة ليس لها بعد نفسي أو درامي لذا فبمجرد الفكرة حولها قام فليمنج بالتركيز على الشكل مع غياب المضمون. لنبدأ بالإسم الأشهر "جيمس بوند"، فليمنج بحث عن إسم باهت وممل كما قال في أكثر من مناسبة. إسم يبتعد عن صاحبه من الأحداث لتدور الأحداث حوله بمعنى أن الشخصية يجب أن تغيب ويجب أن تظهر الأحداث في المقدمة. الطريف أن فليمنج وهو مراقب للطيور (وهذه هواية شهيرة في الخارج تتضمن مراقبة الطيور وتسجيلها ورسمها وتتبع أصولها ومواطنها وحياتها) وجد يوماً بين يديه دليل للهواية لعالم طيور أمريكي إسمه جيمس بوند! مباشرة تم اختيار الإسم والذي إن أراده فليمنج باهتاً على الورق إلا أنه جاء مبهرجاً وأيقونياً على الشاشة! حول الملامح للوجه لا للشخصية وصف فليمنج بطله وفي مخيلته المغني الأمريكي Hoagy Carmichael. وفي ملامح الشخصية السطحية نجد العديد من ملامح فليمنج ذاته وتفضيلاته! من عشق الجولف والقمار إلى المزاج العام وحتى مزيج الخمور والمشروبات المفضل! فليمنج أنقذ ببطله العالم في 14 رواية في حياته وإن استمر الانتاج الأدبي بأقلام مؤلفين آخرين مثل كينجسلي أميس والأمريكي ريموند بينسون.

الاسم بوند.. جيمس بوند
حول العالم تصنع الأسطورة حول بوند من ما قدمته السينما وليس مما ابتدعه فليمنج وضمته دفوف الكتب. الشخصية كما أوضحت باردة لحد بعيد وغير جذابة أدبياً. مفتقرة للعمق الإنساني اللازم. لكنها على الشاشة استطاعت أن تخلق أسطورة وظاهرة عالمية بلا شك. السينما استطاعت أن تجسد الشخصية المبهرجة والقائمة على الشكل الخارجي والسياق الحركي البوليسي للأحداث بأفضل مما قامت به الروايات. سلسلة بوند كما قلنا أنجبت 22 فليم حتى اللحظة استطاعت هذه الأفلام جمع أرباح تقدر بخمسة مليارات دولار حول العالم! لتصبح السلسلة الثانية الأكثر جمعاً للعوائد في تاريخ السينما بعد سلسلة هاري بوتر.

النقل السينمائي جاء من انتاج شركة Eon Productions للانتاج السينمائي (الشركة فعلياً لا تنتج إلا أفلام بوند!) وكانت الانطلاقة بفيلم Dr. No عام 1962 مع أول من جسد شخصية بوند السير شون كونري والذي يعد الوجه السينمائي الحقيقي الصانع للأسطورة السينمائية. الطريف أن تجارب الأداء للحصول على الدور لم تتضمن كونري بالأساس! والفائز بالدور كان شاب يدعى بيتر أنتوني. إلا أنه لم يستطع الاستمرار بشكل مقنع لمنتجي العمل الشهيرين البريت بروكولي وهاري سالتزمان. وتم اختيار كونري بسبب نصيحة من المخرج البولندي بنجامين فيز الذي نصح المنتجين بمشاهدة أفلام كونري لاقتناعه بأنه الأصلح للدور. شاهد بروكولي Operation Snafu بينما شاهد سالتزمان كونري في Darby O'Gill and the Little People. الغريب أن الفيلمين لهما الطابع الكوميدي لكن بشكل ما فزنا بكونري كأول بوند على الشاشة. مفارقة أخرى وجدتها عجيبة هو أن السيناريو الذي كتب ليكون الفيلم الأول لبوند هو ما تم تصويره كالفيلم الرابع في السلسلة وهو Thunderball!! إلا أن نزاع قضائي بين فليمنج الذي شارك في الكتابة وبين عدد من كتاب السيناريو الآخرين تسبب في تعطيل الأمر ومن ثم تم اختيار Dr. No ليكون أول افلام السلسة (وربما الأفضل على الإطلاق) ومع ميزانية جاوزت بالكاد المليون دولار حقق الفيلم 59 مليون دولار ليضمن ظهور الكنز السينمائي واستمرار السلسلة حتى اليوم!

تناوب على حمل مهمة أداء الشخصية ستة ممثلين حتى اليوم، هم شين كونري (6 افلام) وجورج لازنبي (فيلم واحد) و روجر مور (7 أفلام) و تيموثي دالتون (فيلمين فقط) ثم تأتي المرحلة الحديثة والتي بدأها بيرس بروسنان (4 أفلام) ثم بوند الحالي الممثل الرائع دانيل كريج (فيلمين وفيلم قيد الظهور هذا العام وأنباء عن تعاقد جديد على فيلمين آخرين!)

دوامة بوند تبتلع الجميع
من مفارقات اختيار كل هؤلاء البوند (واستعدوا لبعض التوهان) نجد أن تيموثي دالتون كان من المفترض أن يحل محل كونري عام 68 إلا أنه ووقتها كان في الثانية والعشرين من عمره أحس أنه أصغر من اللازم للدور بالتالي جاء الاختيار على الأسترالي جورج لازنبي ليؤدي الشخصية عام 1969 ويقرر أن يكتفي بفيلم واحد ليعود المنتجين لكونري الذي يوافق على أداء الشخصية للمرة السادسة في فيلم Diamonds Are Forever عام 71 ثم يقرر الاكتفاء بدوره. هنا كاد الاختيار يقع على جوليان جلوفر والذي إن فشل في الحصول على الدور إلا أنه ظهر كشرير بوند في فيلم For Your Eyes Only عام 1981 أمام من خلف كونري عام 73 الممثل روجر مور. مور هو أكثر من لعب دور بوند في سبعة أفلام من 73 في أول ظهور في Live and Let Die وحتى آخر ظهور عام 85 في A View to a Kill. غريب أن مور في هذا الفيلم كان يبلغ من العمر 57 عام وظهر بشكل سيء للغاية. يعود هنا من كان صغيراً تيموثي دالتون ليلعب دور بوند في The Living Daylights والذي وقع بالأصل الاختيار على بروسنان لبطولته إلا أنه اضطر لرفض الدور بسبب تعاقده القائم مع المسلسل Remington Steele! بروسنان نفسه تعرف عليه منتجوا العمل حينما زار (بالصدفة) موقع تصوير فيلم For Your Eyes Only عام 81 حينما كان يزور زوجته والتي أدت دور صغير في الفيلم! حتى بعد إلغاء مسلسله فوجئ الجميع بمرض زوجته التي أصيبت بالسرطان عام 87 مما دفع بروسنان لرعايتها حتى وفاتها عام 91. ليعيد إطلاق بوند نحو السينما عام 95 بعد توقف ستة أعوام بفيلم GoldenEye والذي مثل نقطة محورية في السلسلة بسبب بسيط هو أنه الفيلم الأول بعد انهيار الاتحاد السوفيتي! (إن شاهدت الأفلام القديمة ستعي لما هذا الأمر يعد تحول دراماتيكي في الأحداث) في العام 2006 وببلوغ بروسنان الخمسين من العمر يقرر التوقف حتى لا يصاب بلعنة مور ويبدء البحث مجدداً ومعركة الأسماء لتسلط الاضواء على ممثلين نجوم معروفين لنا مثل هيو جاكمان و إريك بانا و جيمس بوريفوي و جوليان ماكماهون وحتى جيرارد باتلر و كليف أوين وبطل أفاتار سام ورثينجتون!! المؤكد أن قائمة الاختيارات ناقشت أكثر من 200 إسم!! إلا أن الاختيار يقع على دانيل كريج للعب بوند وهو الاختيار المميز بجدارة للتالي شرحه.

بوند الألفية.. العمق المطلوب
Casino Royale الفيلم الأول لكريج كبوند جاء في العام 2006 وفي الأجواء خصم من المخابرات الأمريكي أفلامه تحقق نجاحاً مميزاً. سلسلة أفلام العميل جيسون بورن والتي قدمها مات دايمون حققت نجاح تجاري مميز. الشخصية هنا تعتمد على قوتها وخبرتها ومهاراتها الإنسانية في البطولة. بوند وأفلامه ركزت بشكل كبير ومبالغ فيه في رأيي على التقنيات الفانتازية والساعات التي تطلق الليزر والسيارات التي تقوم بكل شيء من الاختفاء وحتى طبخ الأومليت إن أمكن! لنعد ببوند لأرض الواقع قليلاً. الفيلم نجح في تشذيب هذا الجانب التقني والتركيز على بوند الأداة بقوته وبرودة أعصابه. كريج أضفى للسلسلة هنا العمق المطلوب بنجاح كبير حيث استطاع أن يقدم بعد نفسي وأداء درامي مقنع بالرغم من قلة المشاهد المتطلبة لذلك. قصة الحب المنقولة هنا وشعوره بالخيانة تؤسسان للشخصية وتعقيدها. أمور الأحذية التي تطلق الرصاص والأقلام المتفجرة لم تعد تقنع مشاهد الالفية والأمر بحاجة لقدر من الواقعية. كريج أدى المطلوب بنجاح وحقق نقلة نوعية للأفلام أرجعتها لخانة أفلام الجاسوسية والأكشن المنافسة في دور العرض.

شخصياً بوند بالنسبة لي حالة من البهرجة والابتذال المصنوع بإتقان ما لا زالت تستحق المشاهدة.. بحكم الارتباط بذكريات الطفولة في الأغلب وذكريات الفيلم الأول والأكثر تأثيراً لدي. اليوم نرى بوند الألفية يستحق المتابعة ويقدم بشكل متقن صناعياً وسينمائياً. وبغض النظر عن رأيي في الشخصية التي لا أراى تلاؤمها مع مفهوم البطولة وأرى بها الكثير من المبالغة والبريق المعمي عن الواقع إلا أنه لا يمكننا أن ننكر ان جيمس بوند صار من أشهر الشخصيات السينمائية التي انتقلت من مجرد ابتداع لخيال كاتب إلى أيقونة في عالم السينما لا يمكن أن تنكر ولن تشيب أبداً بالرغم من أنها قد بلغت عامها الخمسون.



تعليقات